للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إليهم؛ وإن بالغوا في إِيْحاشِكُم، فهذا خطابٌ عامٌّ، ومعناه: أمر الله تعالى جميع الخلق بأن لا يعاملوا أحدًا إلا على سبيل العدل والإنصاف، وترك الميل والظُّلم والاعتساف» (١).

وأمر الله تعالى بالوفاء لهم بالعهد وجعله من صفات المتقين لربِّهم، فقال سبحانه: {إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [التوبة: ٤].

وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أيُّما رَجُلٍ أَمَّنَ رجلاً على دَمِهِ ثُمَّ قتَلَه، فأَنَا مِنَ القاتل بَرِيءٌ، وإنْ كان المقتولُ كافرًا». (٢)

وهذه البراءة من النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - براءةٌ صريحةٌ من المسلم الذي يُقدِم على ذلك الفعل الشَّنيع، فهي براءة من الفعل والفاعل، فهو - صلى الله عليه وسلم - سيِّد الأوفياء والشرفاء، لا يرضَى بالغدر والخيانة، ولا بأهلهما، بخلاف من قد ينكر الفعلَ، ويسوِّغُ للفاعلِ! (٣)

ومن هنا بيَّن العلماء أن هذه الأخلاقيَّات الإسلامية السَّامية من أصول الدِّين وقواعده الكليَّة، فلا بدَّ أن يلتزم بها المسلم حتَّى وإن انتقل من بلاد


(١) «التفسير الكبير» [المائدة: ٨].
(٢) أخرجه أحمد في «المسند» ٥/ ٢٢٣ (٢١٩٤٦ و ٢١٩٤٧ و ٢١٩٤٨)، والبخاري في «التاريخ الكبير» ٣/ ٣٢٢، وابن ماجه في «السنن» (٢٦٨٨)، والبزَّار في «المسند» (٢٣٠٧ و ٢٣٠٨)، والنسائيُّ في «السنن الكبرى» (٨٧٣٩ و ٨٧٤٠)، وابن حبان في «الصَّحيح» (٥٩٨٢) ـ واللَّفظُ له ـ، والحاكم في «المستدرك» ٤/ ٣٥٣، والبيهقيُّ في «السنن الكبرى» ٩/ ١٤٢؛ من حديث عَمرو بن الحَمِقِ الخزاعيِّ رضي الله عنه. وقال الألبانيُّ في «صحيح الترغيب والترهيب» (٣٠٠٧): «حسن».
(٣) وتقدَّم في مبحث (مشروعيَّة منح الكفار الحربيِّين الأمانَ ... ) ذكر الأحاديث الواردة في الترهيب من قتل المعاهد.

<<  <   >  >>