للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والمسلم مخاطبٌ بهذه النُّصوص ودلالاتِها في أحواله كلِّها، حيثما كان، وأينما حلَّ، سواء كان تعامله مع أخيه المسلم، أو مع المخالف له في الدِّين والملَّة حربيًّا كان أم مسالمًا. هذا ما فهمه علماء الإسلام وقرَّروه في كتبهم، لما دلَّ عليه صريحُ القرآن وصحيح السُّنَّة.

فقد أمر الله تعالى بالعدل في معاملة المخالفين وإن كانوا أعداءً حربيِّين، فقال عزَّ وجلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة: ٨].

قال الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله في تفسيره هذه الآية: «يعني بذلك جلَّ ثناؤُه: يا أيُّها الذين آمنوا بالله وبرسوله محمدٍ! ليكن من أخلاقكم وصفاتكم القيامُ لله شهداءَ بالعدل في أوليائكم وأعدائكم، ولا تجوروا في أحكامكم وأفعالكم، فتُجاوِزُوا ما حدَّدتُ لكم في أعدائكم لعداوتهم لكم، ولا تقصِّروا فيما حددت لكم من أحكامي وحدودي في أوليائكم لولايتهم لكم، ولكن انتهوا في جميعهم إلى حدِّي، واعملوا فيه بأمري. ولا يحملنَّكم عداوةُ قومٍ على ألا تعدلوا في حكمكم فيهم، وسيرتكم بينهم، فتجُورُوا عليهم مِنْ أجلِ ما بينكم وبينهم من العداوة». (١)

وقال الفخر الرازيُّ (٢): «المعنَى: لا يحملنَّكم بغض قومٍ على أن تجوروا عليهم، وتجاوزوا الحدَّ فيهم، بل اعدلوا فيهم؛ وإن أساؤُوا إليكم، وأحسنوا


(١) «جامع البيان في تفسير آي القرآن» [المائدة: ٨].
(٢) فخر الدين أبو عبد الله محمد بن عمر التيمي الرازي الشافعي (ت: ٦٠٦/ ١٢١٠): من أئمة الأشاعرة في علم الكلام، عالم في التفسير والفلك والفلسفة والمنطق وعلم الأصول وفي غيرها. ترك مؤلفات كثيرة تدل على غزارة علمه وسعة اطلاعه أبرزها تفسيره الكبير المعروف بمفاتيح الغيب. مترجم في «سير أعلام النبلاء» (٢١/ ٥٠٠:٢٦١).

<<  <   >  >>