(٢) كتاب «الأُم» ٤/ ٢٤٨، وط: دار الوفاء ٥/ ٦٠٦. (٣) هنا يجري الإمام الشافعي رحمه الله على قاعدة واحدة مطَّردة، فيجعل لمن اغتصُب منه ماله حقَّ استرجاع العين المغصوبة، ولا فرق في ذلك أن يكون المغتصَبُ منه مسلمًا أو كافرًا، ولا في أن يكون المغتصِبُ مسلمًا أو كافرًا. ولا شكَّ أن هذا مقيَّد بشرط القدرة على تحقيق مصلحة استرجاع الحقِّ من غير ترتُّب مفاسد راجحة عليها. وهذا الحكم متعلِّق بالأفراد وما تتعلق به مِلكيَّتُهم، أما ما يتعلَّق بالدول فالأمر راجع فيها إلى ولاة الأمر فيها، فليس للمسلم العاقل أن يظنَّ بأنَّ له حقَّ الاستيلاء على أموال الكفار بدعوى أنَّهم اغتصبوا بعضها من بلاد المسلمين، لأنَّ استرداد تلك الأموال ـ إن صحَّت هذه الدعوى ـ من واجبات الدولة، ولو قدِّر للفرد المسلم التمكُّن من استرجاعها؛ فليس له الانتفاع بها، بل يجب عليه ردُّها إلى دولة المسلمين لأنها مِلكٌ لمجموع الأمة لا لأفرادها. وقول الشافعيُّ هنا مبنيٌّ على أنَّ ما حازه أهل الحرب من أموال المسلمين ظلمًا وعدوانًا يبقى على ملك المسلم، وله أخذه منهم بغير عوضٍ. هذا مذهبه ومذهب أصحابه ومذهب الحنابلة والظاهريَّة، وقال الحسن البصري والزهري وعمرو بن عطاء: أنَّها تصير بحيازتهم لها في ملكهم، فإذا استردَّها المسلمون من أيديهم فهي غنيمة الجيش ليس لصاحبها منها شيء. ووافقهم المالكية والحنفية في أصل المسألة لكن أثبتوا لصاحبها حقَّ ردِّها من الغنيمة في تفصيلٍ ليس هذا موضعه، وبنوا عليه قولهم في الكافر يُسلم وبيده مالُ مسلمٍ هل يصحُّ له ويقرُّ عليه أم لا؟ فقال مالك وأبو حنيفة: يصحُّ له. وقال الشافعيُّ وأحمد: لا يصحُّ له. انظر في المسألة وأدلتها: «الأم» (من أسلم على شيء غصبه أم لم يغصبه) (٤/ ٢٨٢)، و «شرح معاني الآثار» لأبي جعفر الطحاوي (٣/ ٢٦٢)، و «المحلى بالآثار» لابن حزم (٧/ ٣٠٠) (المسألة: ٩٣١)، و «المبسوط» للسرخسي (١٠/ ٦١)، و «بداية المجتهد» لابن رشد (٢/ ٧٧٢)، و «المغني» لابن قدامة (١٣/ ١١٧ و ١٢١).