للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالعامل بحسبها عَامل بِمَا لَا يَأْمَن كَونه مفْسدَة

فان قُلْتُمْ إِن الْمصلحَة هِيَ علمنَا بِحَسب مَا ظنناه من الأمارة وَلَيْسَ كَونهَا مصلحَة ينْفَصل من ذَلِك إِن الأمارة الدَّالَّة عَلَيْهِ لَا يجب ان تصيب ابدا قيل وَلَيْسَ يَقُول الله للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم احكم فانك لَا تحكم إِلَّا بِالصَّوَابِ إِلَّا وَقد علم أَن مصْلحَته أَن يفعل مَا يختاره

وَأما قَوْله إِن الْمُكَلف يجب أَن يعلم حسن مَا يقدم عَلَيْهِ وَهَذَا الْمُكَلف لَا يعلم ذَلِك فَالْجَوَاب عَنهُ أَنه يعلم ذَلِك لقَوْل الله لَهُ إِنَّك لَا تحكم بِغَيْر الصَّوَاب كَمَا يعلم الْأَنْبِيَاء أَن مَا يقدمُونَ عَلَيْهِ من الْمعاصِي غير كَبَائِر وَأما قَوْله إِن حسن الِاخْتِيَار تَابع لحسن الْفِعْل فَلَا يجوز أَن يتبع حسن الْفِعْل الِاخْتِيَار فَالْجَوَاب عَنهُ أَن حسن الْفِعْل هَا هُنَا غير تَابع للاختيار بل هُوَ مصلحَة فِي نَفسه بِالِاخْتِيَارِ وَهَذَا جَوَاب من يُجِيز أَن يُفَوض الله تَعَالَى إِلَى الْمُكَلف بِاخْتِيَارِهِ فِي الشَّيْء الْوَاحِد والشيئين وَالثَّلَاثَة دون الْأَشْيَاء الْكَثِيرَة

وللخصم أَيْضا أَن يَقُول لَيْسَ يمْتَنع أَن تكون مصلحَة الْإِنْسَان أَن يفعل بِاخْتِيَارِهِ كَمَا أَن مصْلحَته فِي وَقت التَّشْدِيد وَفِي وَقت التسهيل وَله ان لَا يسلم أَن الِاخْتِيَار لَا يحسن إِلَّا أَن يكون الْفِعْل حسنا من دونه بل يكون حسنا إِذا كَانَ الْفِعْل مَعَه مصلحَة

وَنحن نرتب الدّلَالَة فَنَقُول إِن من أجَاز هَذَا التَّكْلِيف إِمَّا أَن يَقُول إِن الِاخْتِيَار بِهِ يتم كَون الْفِعْل مصلحَة حَتَّى تكون مصلحَة الْإِنْسَان مَا يختاره فِي الْحَادِثَة من فعل أَو ترك أَو يَجْعَل الْمصلحَة مُنْفَصِلَة عَن ذَلِك وَيَقُول إِن الله تَعَالَى قد علم أَن الْمُكَلف لَا يخْتَار إِلَّا مَا هُوَ مصلحَة فان قَالَ بِالْأولِ اسقط التَّكْلِيف لِأَن قَول الْمُكَلف للمكلف إِن شِئْت أَن تفعل فافعل وَإِن شِئْت أَن لَا تفعل فَلَا تفعل هُوَ مَحْض الاباحة فان قيل بل هُوَ إِيجَاب أَن لَا يَخْلُو من الْفِعْل والإخلال بِهِ قيل لَا يُمكن الْخُلُو من ذَلِك وَلَا يحسن إِيجَاب مَا لَا يُمكن

<<  <  ج: ص:  >  >>