خِلَافه وَلِهَذَا إِذا كَانَ الْعَاميّ مُخَيّرا بَين فَتْوَى من أفتاه بِالْإِيجَابِ وَمن أفتاه بِالْإِبَاحَةِ فقد سقط عَنهُ التَّكْلِيف وَصَارَ الْفِعْل مُبَاحا لِأَنَّهُ إِن اخْتَار أَن لَا يَفْعَله جَازَ لَهُ ذَلِك وَإِن قَالَ إِن الْفِعْل يكون مصلحَة من دون الِاخْتِيَار فإمَّا أَن يُخَيّر تَكْلِيف الله الْإِنْسَان أَن يفعل بِحَسب اخْتِيَاره أفعالا كَثِيرَة أَو أفعالا قَليلَة فَالْأول بَاطِل لِأَنَّهُ لَا يجوز أَن يتَّفق اخْتِيَار الصّلاح فِي الْأَفْعَال الْكَثِيرَة كَمَا لَا يجوز أَن يتَّفق الصدْق فِي الْأَخْبَار الْكَثِيرَة وَالْأَحْكَام فِي الْأَفْعَال الْكَثِيرَة من غير علم فان قيل أَلَيْسَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يخْتَار من الْمعاصِي إِلَّا مَا يكون صَغِيرا قيل فَمن أَيْن أَنه يكثر ذَلِك مِنْهُ وَمَا أنكرتم ان الْوَاجِب أَن يُقَال إِن مَا يَقع مِنْهُ قَلِيل وَأَيْضًا فَلَو صَادف اخْتِيَار الْعَالم الْمصلحَة لم يكن لتكليفه الِاجْتِهَاد معنى فان قيل الْفَائِدَة فِيهِ أَن يكثر ثَوَابه قيل التَّكْلِيف لَا يحسن لمُجَرّد الثَّوَاب فان قيل إِذا اجْتهد تَغَيَّرت الْمصلحَة قيل إِن كَانَت هَذِه الْمصلحَة مُسَاوِيَة لمصلحته إِذا لم ينظر فَلَا فَائِدَة لتكليف النّظر وَإِن كَانَت زَائِدَة وَجب تَكْلِيفه الِاجْتِهَاد
وَأما الْوَجْه الثَّانِي وَهُوَ القَوْل بِأَنَّهُ إِنَّمَا يحسن أَن يُفَوض الله تَعَالَى إِلَى الْمُكَلف الحكم بِاخْتِيَارِهِ فِي الْأَفْعَال الْيَسِيرَة فَالَّذِي يُفْسِدهُ وَيفْسد الْوَجْه الأول أَيْضا هُوَ أَنه إِمَّا أَن يكون الله تَعَالَى قد أوجب عَلَيْهِ الْمصلحَة من الْفِعْل أَو تَركه من غير أَن يُعينهُ لَهُ فَيكون قد كلفه مَا لَا يطيقه وَإِمَّا أَن يكون قد خَيره بَينه وَبَين غَيره مِمَّا لَيْسَ بمصلحة فَيكون قد خَيره بَين الْمصلحَة والمفسدة لِأَنَّهُ قد قَالَ لَهُ افْعَل أَيهمَا شِئْت من الاختيارين والفعلين وَهَذَا تَخْيِير بَين الْمصلحَة والمفسدة وَذَلِكَ بَاطِل
وَاحْتج الْمُخَالف بأَشْيَاء مِنْهَا مَا احْتَجُّوا بِهِ على جَوَاز اسْتِمْرَار اخْتِيَار الصَّوَاب دون الْخَطَأ وَمِنْهَا مَا احْتَجُّوا بِهِ على جَوَاز وُرُود التَّعَبُّد بِمَا ذَكرُوهُ وَمِنْهَا مَا احْتَجُّوا بِهِ على وُرُود التَّعَبُّد بذلك
أما الأول فَقَوْلهم إِذا جَازَ أَن يتَّفق اخْتِيَار الْأَنْبِيَاء للصغائر دون الْكَبَائِر
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute