اعْلَم أَن النَّاس اخْتلفُوا فِي جَوَاز ان يُفَوض الله تَعَالَى إِلَى الْمُكَلف أَن يحرم وَيُوجب ويبيح بِاخْتِيَارِهِ فَمنع أَكثر النَّاس من ذَلِك على كل حَال وَأَجَازَهُ آخَرُونَ فالشيخ أَبُو عَليّ أجَاز ذَلِك للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَاصَّة وَذكر ذَلِك فِي قَول الله تَعَالَى {كل الطَّعَام كَانَ حلا لبني إِسْرَائِيل إِلَّا مَا حرم إِسْرَائِيل على نَفسه} ثمَّ رَجَعَ عَن هَذَا القَوْل وَأَجَازَ مويس بن عمرَان أَن يُقَال ذَلِك للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلغيره من الْعلمَاء وَذكر الشَّافِعِي فِي كتاب الرسَالَة مَا يدل على أَن الله تَعَالَى لما علم أَن الصَّوَاب يتَّفق من نبيه جعل ذَلِك لَهُ وَلم يقطع عَلَيْهِ بل جوزه وَجوز خِلَافه وَاحْتج قَاضِي الْقُضَاة للْمَنْع من ذَلِك بَان الشَّرَائِع إِنَّمَا يتعبد الله بهَا لكَونهَا مصَالح وَالْإِنْسَان قد يخْتَار الصّلاح وَقد يخْتَار الْفساد فَلَو اباح الله تَعَالَى للْإنْسَان الحكم بِمَا يختاره لَكَانَ فِيهِ إِبَاحَة الحكم بِمَا لَا يَأْمَن من كَونه فَسَادًا