فَأَما إِذا كَانَ المستدام عقليا فمثاله أَن يَقُول الْقَائِل الْمُتَيَمم الْمُصَلِّي إِذا لم ير المَاء لم يلْزمه الطَّهَارَة الْأُخْرَى وَوَجَب أَن يمْضِي فِي صلَاته فَكَذَلِك إِذا رأى المَاء وَهَذَا يَصح من وَجه دون وَجه أما الْوَجْه الَّذِي لَا يَصح مِنْهُ فَهُوَ أَن يسْقط عَنهُ طَهَارَة أُخْرَى لأجل سُقُوطهَا إِذا لم ير المَاء لِأَن هَذَا جمع بَين حالتين بِغَيْر دلَالَة وَلَا عِلّة وَأما إِذا أسقط عَنهُ الْوضُوء بعد رُؤْيَة المَاء لِأَن إِيجَابه شَرْعِي فَلَو كَانَ ثَابتا لَكَانَ عَلَيْهِ دَلِيل شَرْعِي وَلَيْسَ عَلَيْهِ دَلِيل شَرْعِي على مَا بَينا فِي الِاسْتِدْلَال بِالنَّفْيِ فَصَحِيح وَإِن عورض هَذَا فَقيل الأَصْل فِي الشَّرْع وجوب الطَّهَارَة فَلَو سَقَطت عَن الرَّائِي للْمَاء فِي الصَّلَاة وَهُوَ متيمم لَكَانَ عَلَيْهِ دَلِيل شَرْعِي لم يسلم الْخصم أَن الطَّهَارَة وَاجِبَة فِي كل حَال وَإِن رأى الْمُتَيَمم المَاء فان اسْتدلَّ على وجوب ذَلِك لعُمُوم الْخطاب كَانَ اسْتِدْلَالا بِالْعُمُومِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب فِيمَا يعلم بأدلة الْعقل وَمَا يعلم بأدلة الشَّرْع - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
اعْلَم أَن الْأَشْيَاء الْمَعْلُومَة بِالدَّلِيلِ إِمَّا أَن يَصح أَن تعلم بِالْعقلِ فَقَط وَإِمَّا بِالشَّرْعِ فَقَط وَإِمَّا بِالشَّرْعِ وبالعقل وَأما الْمَعْلُومَة بِالْعقلِ فَقَط فَكل مَا كَانَ فِي الْعقل دَلِيل عَلَيْهِ وَكَانَ الْعلم بِصِحَّة الشَّرْع مَوْقُوفا على الْعلم بِهِ كالمعرفة بِاللَّه وبصفاته وَأَنه غَنِي لَا يفعل الْقَبِيح وَإِنَّمَا قُلْنَا إِن الْعلم بِصِحَّة الشَّرْع مَوْقُوف على الْعلم بذلك لأَنا إِنَّمَا نعلم صِحَة الشَّرْع إِذا علمنَا صدق الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام وَإِنَّمَا نعلم صدقهم بالمعجزات إِذا علمنَا أَنه لَا يجوز أَن يظهرها الله على يَد كَذَّاب وَإِنَّمَا يعلم ذَلِك إِذا علمنَا أَن إظهارها عَلَيْهِ قَبِيح وَأَنه لَا يفعل الْقَبِيح وَإِنَّمَا نعلم أَنه لَا يفعل الْقَبِيح إِذا علمنَا أَنه عَالم بقبح الْقَبِيح عَالم باستغنائه عَنهُ وَالْعلم بذلك فرع على الْمعرفَة بِهِ فَيجب تقدم هَذِه المعارف للشَّرْع فَلم يجز كَون الشَّرْع طَرِيقا إِلَيْهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute