فان قيل إِنَّمَا يحسن من الْإِنْسَان أَن يتنفس ليندفع عَن قلبه الْحَرَارَة وَذَلِكَ مُحْتَاج إِلَيْهِ فِي الْحَيَاة وَمَا زَاد عَلَيْهِ يضر وَلَا يحسن قيل لَيْسَ يجب أَن يكون مَا زَاد على مَا تحْتَاج إِلَيْهِ الْحَيَاة مضرا بل لَا يمْتَنع أَن يكون نَافِعًا ملذا كَمَا لَا يمْتَنع أَن لَا يكون مَا زَاد على مَا يثبت مَعَه الْحَيَاة من المأكل مضرا بل يكون نَافِعًا ملذا يَقْتَضِي خصب الْبدن فَلم يلْزم مَا ذكره السَّائِل من قبح هَذِه الزِّيَادَة وَهَذِه الدّلَالَة ترجع إِلَى الدّلَالَة الْمُتَقَدّمَة وَهِي أَن الْمَنَافِع لَا يقْدَح فِي حسنها تَجْوِيز الْمفْسدَة والمضرة وَمَا ذَكرْنَاهُ الْآن من استنشاق الْهَوَاء هُوَ مِثَال لما ذَكرْنَاهُ أَن من الْعُقَلَاء يستحسنون أَمْثَال هَذِه الْمَنَافِع فَأَما من توقف فَقَالَ لَا أَدْرِي هَل الْأَشْيَاء على الْحَظْر أَو على الْإِبَاحَة فَقَوله بَاطِل بِمَا ذَكرْنَاهُ لِأَنَّهُ إِمَّا أَن يَقُول لَو انْفَرد الْعقل لَاسْتَحَقَّ من أقدم على الْمَنَافِع الذَّم فنجعلها محظورة أَو يَقُول لَا يسْتَحق الذَّم فنجعلها مُبَاحَة فاذا صَحَّ أَن من الْأَشْيَاء مَا هُوَ على الْحَظْر وَمِنْهَا مَا هُوَ على الْإِبَاحَة كَانَ ذَلِك أصلا فِي الدّلَالَة على إِبَاحَة الْمُبَاح مِنْهَا وحظر الْمَحْظُور إِذا لم تنقلنا عَنهُ الْأَدِلَّة الشَّرْعِيَّة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب فِي فُصُول طرق الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
اعْلَم أَنه لَا يَنْبَغِي أَن نتكلم فِي شُرُوط الِاسْتِدْلَال على الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة إِلَّا بعد أَن نبين أَنه لَا بُد فِي الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة من طرق عقلية أَو شَرْعِيَّة نفيا كَانَ الحكم أَو إِثْبَاتًا ونبين الْفَصْل بَين مَا هُوَ طَرِيق فِي ذَلِك وَمَا لَيْسَ بطرِيق ليعمد الْمُسْتَدلّ إِلَى مَا هُوَ طَرِيق فيستدل بِهِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَن نبين أَنه لَا بُد فِي الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة من طَرِيق إِمَّا عَقْلِي وَإِمَّا شَرْعِي وَيدخل فِي الطَّرِيق الْعقلِيّ فصلان أَحدهمَا أَن يبين الْفَصْل بَين الِاسْتِدْلَال بِالْبَقَاءِ على حكم الْعقل وَبَين مَا يلتبس بذلك من اسْتِصْحَاب الْحَال وَالْآخر أَن يبين الْفَصْل بَين مَا يَصح أَن يسْتَدلّ عَلَيْهِ بِالْعقلِ وَمَا لَا يَصح وَيدخل فِي الطَّرِيق السمعي فصلان أَحدهمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute