للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقد قيل لَو خلقهَا ليستدل بهَا لَا لينْتَفع بهَا بِالْأَكْلِ لَكَانَ قد خلق مَا يُمكن أَن ينْتَفع بِهِ من وَجْهَيْن وَقصد الِانْتِفَاع بِأَحَدِهِمَا فَقَط مَعَ إِمْكَان الِانْتِفَاع بِالْوَجْهِ الآخر وَذَلِكَ يَقْتَضِي كَونهَا عَبَثا من الْوَجْه الَّذِي لم يَقْصِدهُ لِأَن كلا الْوَجْهَيْنِ يجريان مجْرى فعلين متميزين فَكَمَا أَنه لَو فعل أَحدهمَا لغَرَض وَفعل الآخر لَا لغَرَض لَكَانَ عَبَثا فَكَذَلِك الْوَجْهَانِ وَلَا يلْزم على ذَلِك أَن يقْصد الِانْتِفَاع للْمَلَائكَة بِأَكْل المأكولات وَأَن يقْصد اسْتِدْلَال اهل الْجنَّة بِمَا يخلقه لَهُم لِأَن استدلالهم بذلك على الله لَا يُمكن مَعَ علمهمْ بِهِ ضَرُورَة وَكَذَلِكَ انْتِفَاع الْمَلَائِكَة من جِهَة الْعقل وَلقَائِل أَن يَقُول وَلَا يجوز أَن يقْصد انتفاعنا بالطعوم من جِهَة الْأكل لِأَن ذَلِك مفْسدَة وَلَو حسن أَن يقْصد لم يمْتَنع أَن يقْصد الِانْتِفَاع بالطعوم من أحد الْوَجْهَيْنِ دون الآخر لِأَن الْأَصْلَح فِي الدُّنْيَا غير وَاجِب على قَول الشَّيْخ وَقَوْلهمْ إِن الْوَجْهَيْنِ يجريان مجْرى الْفِعْلَيْنِ إِن أَرَادوا بِهِ أَنَّهُمَا كالفعلين فِي وجوب حُصُول غَرَض فيهمَا لم نسلمه وَلنَا أَن نقُول إِن الْفِعْلَيْنِ المتميزين إِذا فعل الْفَاعِل أَحدهمَا لَا لغَرَض فقد أوجد فعلا لَا غَرَض فِيهِ وَكَانَ عَبَثا فَأَما الْفِعْل الْوَاحِد إِذا أمكن الِانْتِفَاع بِهِ من وَجْهَيْن فقصد أَحدهمَا فانه قد فعل الْفِعْل لغَرَض فَلم يكن عَبَثا

دَلِيل وَقد اسْتدلَّ على ذَلِك بِأَنَّهُ يحسن من الْعُقَلَاء التنفس فِي الْهَوَاء وَأَن يدخلُوا مِنْهُ أَكثر مِمَّا تحْتَاج إِلَيْهِ الْحَيَاة وَمن رام أَن يقدر على نَفسه ذَلِك وَلَا يزِيد على قدر مَا تحْتَاج إِلَيْهِ الْحَيَاة عده الْعُقَلَاء من المجانين وَالْعلَّة فِي حسن ذَلِك أَنه انْتِفَاع لَا يعلم فِي مفْسدَة وَلَا مضرَّة وَهَذَا قَائِم فِي غير ذَلِك وَلَيْسَ لأحد أَن يَجْعَل عِلّة حسن ذَلِك أَن فِيهِ بَقَاء الْحَيَاة وَفِي تَركه هلاكها مَعَ أَنَّهَا ملك الْغَيْر وَأَن الْإِنْسَان ملْجأ إِلَى ذَلِك لأَنا فَرضنَا الْمَسْأَلَة فِي قدر يَنْفِي الْحَيَاة من دونه على أَن الْكَفّ عَن التنفس إِن أتلف الْحَيَاة فَلَيْسَ يجب أَن يقبح من الْإِنْسَان على قَوْلكُم لِأَنَّهُ لَيْسَ يجب على الْإِنْسَان أَن يصلح ملك غَيره وَإِنَّمَا يجب عَلَيْهِ أَن لَا يتلفه

<<  <  ج: ص:  >  >>