اعْلَم أَن الحكم الشَّرْعِيّ يجب كَونه مَعْلُوما وَإِلَّا لم يُؤمن كَونه خطأ وَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون الْعلم بِهِ فِي البديهة أَو لَا يكون فِيهَا فَلَو كَانَ فِيهَا لاشترك الْعُقَلَاء فِيهِ ولأنا نعلم أَنه لَيْسَ فِي البديهة الْعلم بِوُجُوب صَوْم أول يَوْم من شهر رَمَضَان وَسُقُوط وجوب مَا قبله وَإِذا لم يكن الْعلم بِهِ فِي البديهة لم يجز حُصُوله لنا إِلَّا بِأَمْر يوصلنا إِلَيْهِ إِمَّا إِدْرَاك أَو خبر متواتر أَو دَلِيل يجوز كَونهَا مدركة وَالْخَبَر الْمُتَوَاتر إِنَّمَا يُفْضِي إِلَى الْعلم إِذا كَانَ الْمخبر مدْركا لما أخبر بِهِ فَبَقيَ أَن يكون الْموصل إِلَى الْعلم بِهِ هُوَ الدَّلِيل
فَأَما من لَا يثبت الحكم فِي الشَّيْء فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون شاكا فِي إثْبَاته أَو مُعْتَقدًا أَو ظَانّا لنفيه فان اعْتقد أَو ظن نَفْيه وَأقر أَنه لم يصر إِلَى اعْتِقَاده أَو ظَنّه بطريقة فقد أقرّ أَنه منحت وَأَن ظَنّه جَار مجْرى ظن السوداوي وَإِن ادّعى أَنه صَار إِلَى ذَلِك بطريقة ودعا إِلَى اعْتِقَاده وظنه فَلَا بُد من أَن يذكر طَرِيقَته الَّتِي أدته إِلَى ذَلِك الِاعْتِقَاد أَو الظَّن لِأَنَّهُ إِن ألزم غَيره الْمصير إِلَيْهِ من غير أَنه يُمكنهُ من طَرِيقَته الَّتِي أوصلت إِلَى الْمَذْهَب فقد ألزمهُ مَا لَا يطيقه
والطريقة إِلَى الْمَذْهَب ضَرْبَان إِثْبَات وَنفي أما الْإِثْبَات فبأن ينص الله تَعَالَى أَو النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على ذَلِك الحكم أَو تجمع الْأمة عَلَيْهِ أَو يدل الْقيَاس عَلَيْهِ وَأما النَّفْي فبأن يفقد النَّاظر بعد الفحص الشَّديد دَلِيلا على ذَلِك الحكم مَعَ أَنه لَو كَانَ ثَابتا لَكَانَ عَلَيْهِ دَلِيل وَهَذِه الطَّرِيقَة لَا بُد من الْبَيِّنَة عَلَيْهَا غير أَنه لَا يُمكن النَّافِي للْحكم أَو يُوقف المناظر لَهُ على دَلِيل من أَدِلَّة