قوله: ومن يكن سفر قصر سافرا البيت، معناه أن الفطر في السفر جائز أيضا، وإن لم تلحقه بالصوم فيه مشقة، وذلك بشروط، أحدها أن يكون السفر سفر قصر، وقد تقدم بيانه، الثاني أن لا يكون منهيا عنه شرعا، الثالث أن يشرع فيه بأن يبلغ موضعا يحل له فيه قصر الصلاة، وقد تقدم بيانه، ولله الحمد، فلا يفطر لمجرد السفر، لأن الفطر إنما أبيح للمسافر، وهذا لا يصدق عليه اسم المسافر.
الرابع أن يكون شروعه فيه قبل الفجر، فإن لم يشرع فيه إلا بعد الفجر، فالمشهور أنه لا يحل له الفطر، لأنه وقت انعقاد النية لم يكن مسافرا، وهو وقت توجه الخطاب بالصوم، كما لا يؤمر القادم بإمساك بقية يوم قدومه.
الخامس أن لا يبيت الصيام في سفره، فإذا أصبح صائما في السفر لم يكن له أن يفطر من غير ضرورة، لأنه كان في سعة أن يفطر أو يصوم، فلما اختار الصوم كان في حكم الحاضر.
والمفطر لأجل السفر مع عدم جوازه له -اتفاقا أو على المشهور -له من حيث التكفير أحوال: الأول أن يعزم على السفر بعد الفجر، ويبيت الفطر، ثم لا يقع السفر منه في ذلك اليوم، فهذا تجب عليه الكفارة بلا خلاف -تأول أو لا -على ظاهر أبي الحسن عند الحطاب.
الثاني أن يبيت الصوم في الحضر، ثم يعزم على السفر فيفطر، فإن أفطر قبل خروجه، ففي تكفيره أقوال، ثالثها يكفر إن لم يأخذ في أهبة السفر، ورابعها يكفر إن لم يتم سفره، واستظهر ابن رشد -رحمه الله تعالى -القول بعدم التكفير، قال: لأن الكفارة إنما هي تكفير للذنب، ومن تأول لم يذنب، والله سبحانه وتعالى تجاوز عن الأمة الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه، وإن أفطر بعد خروجه فلا كفارة عليه على المشهور -تأول أو لا ـ.
بل قال ابن حبيب -رحمه الله تعالى -: يجوز له الفطر، وقال ابن القصار يكره له.