للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فكان جوابنا له في ذلك: أن قوله هذا جهل شديد منه باللغة، لأنه لو كان الأمر في ذلك كما ذكر، لكانت: (وما دخله كان آمناً)، لأن (من) لا يكون إلا لبني آدم، ويكون لمن سواهم مكانها (ما) كما قال عز وجل: {وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} [المائدة:٣] في أمثال لهذا في القرآن يطول ذكرها، وكانت (من) مستعملة في بني آدم كقوله عز وجل: {وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ} [البقرة:١٢٦]، وكقوله: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} [الفرقان:٦٨]، وكقوله: {مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الأحزاب:٣٠]، وأشباه لهذا كثيرة، إلا أنه ربما جاء في بني آدم استعمال (ما) مكان (من) من ذلك قوله عز وجل: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء:٢٤]، ومن ذلك قوله تعالى: {وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ} [البلد:٣] في معنى: ووالد ومن ولد.

فكانت (ما) قد تستعمل في بني آدم مكان (من) وإن كان ذلك مما يقل استعمالهم إياه، ولم يكونوا يستعملون في غير بني آدم (من) مكان (ما) في حال من الأحوال، فلما كانت (من) لبني آدم دون من سواهم، كان قوله عز وجل: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران:٩٧] على بني آدم دون من سواهم، وكان هذا القول الذي ذكرناه عن ابن عباس وابن عمر قد قال به بعدهم أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزُفر (١)


(١) زفر هو: أبو الهذيل زُفَرُ بن الهذيل بن قيس العنبري البصري الحنفي، صاحب أبي حنيفة، وثقة ابن معين وغيره، وولي قضاء البصرة،
وكانت وفاته بها سنة (١٥٨ هـ) (تاج التراجم-١٠٢).

<<  <   >  >>