للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال: وقال لي عطاء: إن قذف فيه أو سرق، أقيم عليه الحد، وإذا صنع ذلك في غيره، ثم لجأ - يعني إليه - لم يقم عليه

فإن قال قائل: فقد خالفهما عبد الله بن الزبير في ذلك، وكان منه.

فذكر عن عطاء قال: (كان سعيد مولى معاوية وأصحاب له في الطائف متحصنين في قلعة، فاستُنْزلوا منها، فانطلق به إلى عبد الله بن الزبير، وهو بمكة، فأرسل إلى عبد الله بن عباس فقال: ما ترى في هؤلاء النفر؟ فقال: أرى أن تخلي سبيلهم، فإنهم قد آمنوا إذ أدخلتهم الحرم، فقال: لا، نخرجهم من الحرم، ثم نقتلهم، قال: فهلا قبل أن تدخلهم، فأخرجهم ابن الزبير، فصلبهم، فقال ابن عباس: لو لقيت قاتل أبي في الحرم ما هجته حتى يخرج منه).

فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه: أن ابن الزبير لم يكن منه في ذلك خلاف لابن عباس في أن الحرم قد أجار القوم الذين أُدْخلوه مما كان عليهم من العقوبة، ولكنه لم يمنع أن يُخرجوا منه، فيقام عليهم في غيره، فكان بمذهبه أن لا يقام عليهم وهم فيه موافقاً لابن عباس، وكان في قوله: إنهم يُخرجون منه إلى غيره مخالفاً له في ذلك، وكان ما قال ابن عباس في ذلك أولى عندنا، لأن الآية توجب ذلك، وهي قول الله عز وجل: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران:٩٧]، وكان أولئك النفر قد دخلوه فأمنوا بدخولهم إياه، وقد يحتمل أن يكون ابن الزبير لم يجعل رجوعهم الحرم أماناً لهم، لأنهم لم يكن دخولهم إياه باختيارهم لذلك، وإنما كان بفعل غيرهم إياه بهم، لأن دخولهم إياه باختيارهم طلباً للأمان به مما كانوا يخافونه، وإدخال غيرهم إياهم إياه ليس فيه طلب منهم للأمان به مما كانوا يخافونه، فلم يؤمنهم ذلك الدخول مما كانوا يخافونه فيعود معنى ما كان الخلاف في ذلك إلى ما لا خلاف فيه لما كان من ابن عمر وابن عباس فيه.

فقال قائل: إنما كان قوله عز وجل: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران:٩٧] على الصيد لا على ما سواه).

<<  <   >  >>