للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثم رجع سليمان إلى داره فكسر ذلك الصنم وعاقب تلك المرأة وولائدها، ثم خرج إلى فلاة من الأرض وحده، فأمر برماد قد رشّ، ثم أقبل تائبا إلى الله حتى جلس على ذلك الرماد وتمعّك فيه بثيابه تذلّلا لله عزّ وجلّ وتضرّعا إليه، يدعو ويبكي ويستغفر مما كان في داره، فلم يزل يومه كذلك حتى أمسى ثم رجع.

وكانت أمّ ولد يقال لها الأمينة، كان إذا دخل لقضاء حاجته وضع خاتمه عندها حتى يتطهّر، وكان لا يمسّ خاتمه وإلاّ وهو طاهر، وكان ملكه في خاتمه، فوضع يوما من الأيام خاتمه عندها كما كان يضعه، ثم دخل موضع الحاجة فأتاها الشيطان صاحب البحر وكان اسمه صخرا على صورة سليمان لا تنكر منه شيئا، فقال: يا أمينة هات خاتمي، فناولته إياه، فجعله في يده ثم خرج حتى جلس على سرير سليمان، وعكفت عليه الطير والجن والإنس.

وخرج سليمان فأتى أمينة وقد تغيّر من حاله وهيئته عند كلّ من رآه، فقال:

أمينة هات خاتمي، قالت: ومن أنت؟! قال: أنا سليمان بن داود عليه السّلام، قالت: لست سليمان، وقد جاء سليمان وأخذ خاتمه وهو جالس على سريره في ملكه. فعرف سليمان أنّ الخطيئة قد أدركته، فخرج فجعل يقف على الدّور من دور بني اسرائيل، فيقول: أنا سليمان بن داود، فيحثّون عليه التراب ويسبّونه ويقولون: انظروا إلى هذا المجنون يزعم أنه سليمان.

فلما رأى سليمان ذلك عمد إلى البحر، فكان ينقل الحيتان لأصحاب البحر إلى السّوق ويعطونه كلّ يوم سمكتين، فاذا أمسى باع إحدى سمكتيه بأرغفة وشوى الأخرى فأكلها. فمكث كذلك أربعين يوما صباحا عدّة ما كان عبد الوثن في داره.

فلما مضى أربعون يوما طار الشيطان عن مجلسه، ثم مرّ بالبحر فقذف الخاتم فيه، فبلعته سمكة فأخذها بعض الصيّادين وكان قد عمل له سليمان، فأعطاه سمكتين أجرته، فباع سليمان إحدى السّمكتين بأرغفة وعمد إلى السّمكة الأخرى فشقّ جوفها ليشويها، فوجد الخاتم فجعله في يده، ووقع ساجدا وعكفت عليه الطير والجن، وأقبل عليه الناس وعرف أنّ الذي كان دخل عليه إنما هو بسبب ما كان أحدث في داره، فرجع إلى مملكته وأظهر التوبة من ذنبه.

<<  <  ج: ص:  >  >>