للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأمر الشياطين فقال: ائتوني بصخر، فطلبته له الشياطين حتى وجدته، فأتي به فأدخل في صخرة وسدّ عليه بأخرى ثم أوثقها بالحديد والرّصاص ثم أمر به فقذف في البحر (١).

وقال بعضهم: كان سبب فتنته قتله الخيل وضربه سوقها وأعناقها.

قوله تعالى: {وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً؛} أي شيطانا اسمه صخر، وقد ذكرناه. ويقال: معنى ذلك أنّ سليمان كان له ولد فاجتمعت الشياطين فقال بعضهم لبعض: إن عاش له ولد لم ننفكّ ما نحن فيه من البلاء والخدمة، فسبيلنا أن نقتل الولد أو نخبله، فعلم سليمان بذلك فأمر الرّيح فحملته إلى السّحاب فأودعه السحاب خوفا عليه من الشياطين، فعاقبه الله تعالى على تخوّفه من الشياطين، وأمات ولده في السّحاب فألقي ميّتا على كرسيّه فهو الجسد الذي أريد بقوله {(وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً)} لأن الجسد عبارة عما لا يكون روحا. وقوله تعالى: {ثُمَّ أَنابَ} (٣٤)؛ ثم رجع بعد أربعين يوما إلى ملكه.

قوله تعالى: {قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي؛} معناه: لمّا رجع ملك سليمان إليه قال: رب اغفر لي ذنبي وهب لي ملكا لا أسلب فيه كما سلبت في المرّة الأولى، {إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهّابُ} (٣٥)،ولا يجوز أن يكون سؤاله الملك برغبته له في الدّنيا ولا بخلا بمثله على من بعده، ولكن طلب آية تدلّ جميع الخلق على أنّ الله تعالى غفر له ذنبه وردّه إلى منزلة الأنبياء عليهم السّلام.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أنّه صلّى صلاة فقال: [إنّ الشّيطان عرض لي ليفسد عليّ صلاتي، فأمكنني الله منه فخنقته ولقد هممت أن أوثقه إلى سارية حتّى تصبحوا وتنظروا إليه جميعا، فذلك قول سليمان عليه السّلام {(وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي)}] (٢).


(١) رواه الحاكم في المستدرك: كتاب التفسير: الحديث (٣٦٧٥) مختصرا. وذكره السيوطي في الدر المنثور: ج ٧ ص ١٧٨؛وقال: (أخرجه الفريابي والحكيم الترمذي والحاكم).وذكره البغوي بطوله في معالم التنزيل: ص ١١١٤ - ١١١٦.
(٢) أخرجه البخاري في الصحيح: كتاب العمل في الصلاة: باب ما يجوز من العمل في الصلاة:-

<<  <  ج: ص:  >  >>