للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فيحمله، فلو عدل بكاء داود ببكاء أهل الدّنيا لعدله) (١).

وروي أن داود عليه السّلام ما شرب قطّ بعد المغفرة شرابا إلاّ ونصفه ممزوج بدموعه، وكان يقول: سبحانك إلهي إذا ذكرت خطيئتي ضاقت عليّ الأرض برحبها، وإذا ذكرت رحمتك ارتدّت إليّ روحي، إلهي أتيت أطبّاء عبادك فكلّهم عليك دلّوني.

وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: [خدت الدّموع في وجه داود خديد الماء في الأرض] (٢)،وعن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: [كان النّاس يعودونه وأنّه يظنّون أنّ به مرض وما به من مرض إلاّ الخوف والحياء من الله عزّ وجلّ، وما رفع داود عليه السّلام رأسه بعد الخطيئة إلى السّماء حتّى مات] (٣).

وكان داود عليه السّلام اذا ذكر عقاب الله تخلّعت أوصاله، وإذا ذكر رحمته تراجعت.

وعن الحسن رضي الله عنه أنه قال: (كان داود عليه السّلام بعد الخطيئة لا يجلس إلاّ مع الخاطئين، ثم يقول: تعالوا إلى داود عليه السّلام الخطّاء، وكان يؤتى بخبز الشّعير في الإناء، فلا يزال يبكي حتى يمتلئ بدموع عينيه، وكان يذرأ عليه الرّماد ويأكله ويقول: هذا أكل الخاطئين) (٤).

وقال الكلبيّ رضي الله عنه: (سجد داود أربعين يوما حتى سقطت جلدة وجهه ونبت العشب من دموعه فعلى غطاء رأسه، وكان لا يقوم من سجوده إلا لصلاة أو قضاء حاجة، وكان يقول في دعائه ومناجاته: قد عرفت يا رب رحمتك واسعة، ولولا رحمتك لفضحتني، فمن الذي ينصرني إن خذلتني؟ ومن الذي يغفر لي خطيئتي إن لم تمحها عنّي؟ ومن الذي يتداركني برحمته إن لم تجاوز عنّي؟


(١) أخرجه الثعلبي في الكشف والبيان: ج ٨ ص ١٩٣ - ١٩٤.وذكره أيضا البغوي في معالم التنزيل: ص ١١١١.
(٢) أخرجه الثعلبي في الكشف والبيان: ج ٨ ص ١٩٥.وذكره البغوي في معالم التنزيل: ص ١١١١.
وفي الدر المنثور: ج ٧ ص ١٦٣؛قال السيوطي: (أخرجه أحمد في الزهد، والحكيم الترمذي عن الأوزاعي).
(٣) لم أجده.
(٤) ذكره البغوي في معالم التنزيل: ص ١١١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>