للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والإنسان ظلوم كفار، وقد ذمه الله باليأس والكفر عند الامتحان بالبلاء، وبالفرح والفخر عند الابتلاء بالنعماء، فقال سبحانه: {وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ (٩) وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (١٠)} [هود: ٩،١٠].

وإذا علم الله سبحانه هذا من قلب عبد فذلك من أعظم أسباب خذلانه له وتخليه عنه، فإن محله لا تناسبه النعمة المطلقة التامة، وهي نعمة الإسلام.

والله عزَّ وجلَّ عليم بكل شيء: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (٧٠)} [الحج: ٧٠].

علم سبحانه قبل أن يوجد عباده أحوالهم، وما هم عاملون، وما هم إليه صائرون، ثم أخرجهم إلى هذه الدار ليظهر معلومه الذي علمه فيهم كما علمه، وابتلاهم من الأمر والنهي، والخير والشر، بما أظهر معلومه منهم، فاستحقوا المدح والذم، والثواب والعقاب، بما قام فيهم من الأفعال والصفات المطابقة للعلم الإلهي السابق.

ولم يكونوا يستحقون ذلك وهي في علمه قبل أن يعملوها، فأرسل إليهم رسله، وأنزل عليهم كتبه، وشرع شرائعه؛ إعذاراً إليهم، وإقامة للحجة عليهم، لئلا يقولوا: كيف تعاقبنا على علمك فينا، وهو لا يدخل تحت كسبنا وقدرتنا؟.

فلما ظهر علمه فيهم بأفعالهم حصل الثواب أو العقاب على معلومه الذي أظهره الابتلاء والاختبار، فهو سبحانه يعلم ما كان وما يكون وما سيكون.

وكما ابتلاهم بأمره ونهيه ابتلاهم بما زين لهم من الدنيا، وبما ركب فيهم من الشهوات.

فذلك ابتلاء بشرعه وأمره .. وهذا ابتلاء بقضائه وقدره.

وقد اقتضت حكمة العزيز الحكيم أن يأكل الظالم الباغي ويتمتع في خفارة ذنوب المظلوم المبني عليه، فذنوبه من أعظم أسباب الرحمة في حق ظالمه.

كما أن المسؤول إذا رد السائل فهو في خفارة كذبه، ولو صدق السائل لما أفلح

<<  <  ج: ص:  >  >>