للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ببابه فهو علامة سعادته وإرادة الخير به.

والشدة بتراء لا دوام لها وإن طالت، فتقلع عنه وقد عُوِّض عنها أجَلّ عِوَض وأفضله، وهو رجوعه إلى الله بعد أن كان شارداً عنه.

فهذه البلية له عين النعمة وإن ساءته وكرهها طبعه، ونفرت منها نفسه: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (٢١٦)} [البقرة: ٢١٦].

وإن لم يرده ذلك البلاء إليه سبحانه، بل شرد قلبه عنه ورده إلى الخلق، وأنساه ذكر ربه، والضراعة إليه فهو علامة شقاوته وإرادة الشر به.

فهذا إذا أقلع عنه البلاء رده إلى حكم طبيعته، وسلطان شهوته، ومرحه وفرحه.

وجاءت طبيعته عند القدرة بالأشر والبطر، والإعراض عن شكر الله وعدم التوجه إليه: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (١١)} [الحج: ١١].

فبلية هذا وبال عليه وعقوبة ونقص في حقه، وبلية الأول تطهير له ورحمة وتكميل ورفعة كما قال سبحانه: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (١٥٥) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (١٥٦) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (١٥٧)} [البقرة: ١٥٥ - ١٥٧].

والله تبارك وتعالى عليم بخلقه، خلق النفوس وفيها خبأ كامناً يعلمه سبحانه منها، فلا بدَّ أن يقيم أسباباً يظهر بها خبأ النفوس الذي كان كامناً فيها.

فإذا ظهر للعيان ترتب عليه أثره من السعادة والشقاوة.

وخلق سبحانه السموات والأرض ليعلم العباد كمال عظمته وكمال قدرته وعلمه كما قال سبحانه: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (١٢)} [الطلاق: ١٢].

وخلق سبحانه العالم السفلي ليبلو عباده، فيظهر من يطيعه ويحبه ويجله ويعظمه ممن يعصيه ويخالفه.

<<  <  ج: ص:  >  >>