للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقدر سبحانه مقادير تخالفها ابتلاء منه، وامتحن خلقه بين أمره وقدره، ليبلوهم أيهم أحسن عملاً كما قال سبحانه: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [هود: ٧].

وقال سبحانه: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك: ٢].

فانقسم الخلق في هذا الابتلاء إلى قسمين:

قسم داروا مع أوامره ومحابه، ووقفوا حيث وقف بهم الأمر الشرعي، وتحركوا حيث حركهم الأمر، واستعملوا الأمر في القدر، وحكموا الأمر على القدر، ودفعوا القدر بالقدر، امتثالاً لأمر الله، واتباعاً لمرضاته، فهؤلاء هم الناجون.

والقسم الثاني: عارضوا بين الأمر والقدر، وبين ما يحبه الله ويرضاه، وبين ما قدره وقضاه، ثم افترقوا:

ففرقة كذبت بالقدر محافظة على الأمر، والإيمان بالقدر أصل الإيمان بالأمر، فمن كذب بالقدر فقد نقض تكذيبه إيمانه.

وفرقة ردت الأمر بالقدر، وهؤلاء من أكفر الخلق، وهم الذين قالوا: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (٣٥)} [النحل: ٣٥].

وفرقة دارت مع القدر، فسارت بسيره، ونزلت بنزوله، ودانت به، ولم تبال وافق الأمر الشرعي أو خالفه، بل دينها القدر، فالحلال ما حل بيدها قدراً، والحرام ما حرمته قدراً، وهم مع من غلب من مسلم وكافر، وبر وفاجر، وهؤلاء أيضاً كفار.

وفرقة وقفت مع القدر مع اعترافها بأنه خلاف الأمر، ولم تدن به، ولكنها استرسلت معه، ولم تحكم عليه الأمر، وعجزت عن دفع القدر بالقدر اتباعاً للأمر، فهؤلاء مفرطون.

وهم بين عاجز وعاص لله، وهؤلاء كلهم مؤتمون بشيخهم إبليس فإنه أول من قدم القدر على الأمر الشرعي، وعارضه به، حيث قال: {رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>