ونعيم الجنة المخلوق بالنسبة إلى نعيم معرفة المعبود ومحبته سبحانه كنسبة نعيم الدنيا إلى نعيم الجنة المخلوق، فأكبر نعيم أهل الجنة النظر إلى وجهه سبحانه والفوز برضاه.
وقد احتجب سبحانه عن خلقه في الدنيا ليبلو بذلك إيمانهم، أيهم يؤمن به ويعرفه بالغيب ولم يره.
والله عزَّ وجلَّ يجزي العباد على إيمانهم بالغيب؛ لأن الله عزَّ وجلَّ لو تبدى لخلقه وتجلى لهم في الدنيا لم يكن لإيمان الغيب هناك معنى، كما أنه لم يكفر به عندها كافر، ولا عصاه عاص.
ولكنه تبارك وتعالى احتجب عنهم في الدنيا، ودعاهم إلى الإيمان به بالغيب، وإلى معرفته والإقرار بربوبيته، ليؤمن به من سبقت له منه السعادة، ويحق القول على الكافرين.
ولو تجلى لخلقه سبحانه لآمن به من في الأرض جميعاً بغير رسل ولا كتب ولا دعاة، ولم يعصوه طرفة عين.
فإذا كان يوم القيامة تجلى سبحانه لمن آمن به وصدق رسله وكتبه، وآمن برؤيته، وأقر بصفاته التي وصف بها نفسه حتى يروه عياناً؛ مثوبة منه لهم وإكراماً، ليزدادوا بالنظر إلى من عبدوه بالغيب ولم يروه نعيماً، وبرؤيته فرحاً وسروراً.
وحجب عنه الكفار يومئذ؛ لأنهم لم يؤمنوا به في الدنيا، فحرموا رؤيته في الآخرة كما حرموها في الدنيا ليزدادوا حسرة وثبوراً.
والله عزَّ وجلَّ خلق العالم العلوي والسفلي، وخلق الموت والحياة، وزين الأرض بما عليها لابتلاء واختبار العباد أيهم أحسن عملاً، من يكون عمله موافقاً لمحاب الرب تعالى، فيوافق الغاية التي خلق هو لها، وخلق لأجلها العالم، وهي عبوديته المتضمنة لمحبته وطاعته، وهي العمل الأحسن، وهو مواقع محبته ورضاه.