ثم قال مؤكدا لما قدمه: لم ير قرن الشمس ظاهرا عند إشراقه وطلوعه، وتزين الدنيا بتزيد نوره، فشكت الأنفس في أنه على عجل معدوم غارب، وظلام الليل له معاقب، وكذلك الدنيا ببهجتها سريعة النقلة، ومسرتها قصيرة المدة.
يَمُوتُ رَاعِي الضَّأنِ في جَهلِهِ ... مِيتَةَ جَالِينُوسَ في طِبِّهِ
وَرُبَّما زَادَ على عُمْرِهِ ... وَزَادَ في الأمْنِ عَلَى سَربِهِ
وَغَايَةُ المُفْرِطِ في سِلْمِهِ ... كَغَايَةِ المُفرِطِ في حَربِهِ
السرب: الطريق والمذهب، والسلم: الصلح، والخفق: شدة الاضطراب.
فيقول مخبرا بأن الموت لا يستدفع بحيله، ولا يمتنع منه بقوة، وأن العالم والجاهل يتساويان في الاستسلام له، ويتماثلان في الفناء به: يموت راعي الضأن فيما هو عليه من الجهل كميتة جالينوس مع منزلته من العلم والطب، على سبيل واحدة، وطريقة في العجز على استدفاع الموت واضحة.
ثم قال مؤكدا لما قدمه: وربما زاد الجاهل على العالم في طول العمر، وقصر العالم عنه في مداومته لصحبة الدهر.
ثم قال: وغاية المفرط فيما يجنح إليه من السلم، ويؤثر من الدعة بأشد العزم، كغاية المحارب المقدم على اقتحام المهالك، المستسهل لركوب المخاوف، في أن كليهما لا يفوت الموت، ولا يبعد عنه، ولا يدفعه ولا يعتصم منه، فلا بلغ الجبان بغية من حاجته، ولا ظفر بأقل مراد من إدراك إرادته، إذا كان فؤاده يخفق من خوفه، وهو عند أجله مدفوع إلى حتفه.