فيقول: نحن بنو الموتى المطبوعون على الموت، والمخلوقون له، والمطروقون في الغدو والرواح (به)، فما بالنا نعاف ما لا بد لنا من الورود عليه، ونكره ما لا عاصم لنا من المصير إليه.
ثم قال: تبخل أيدينا بأرواحنا فيما نظهره من الشح بها، ونتكلفه في الصيانة لها، وإنما ذلك على زمان نشأت فيه على شرط الفناء، وصحبت أجسامها متيقنة لقلة البقاء، والزمان فيما يستوفيه منها كالطالب لكسبه والمسترجع لما تصرف في حفظه.
ثم قال مشيرا إلى أن الإنسان قطعة من هذه الدنيا الفانية الجملة، المطبوعة على قصر المدة: فليس في الحق أن ينكر جملته، ويتكره خلقته، فنفسه من جوها، وأول جسمه وآخره من تربها، والله عز وجل قد فطر على الموت بعد الحياة أهلها، وجعل إلى الزوال والانقضاء أمرها.
لَمْ يُرَ قَرْنُ الشَّمسِ في شَرقِهِ ... فَشَكَّتِ الأنفُسُ في غَرْبِهِ
قرن الشمس: أول ما يطلع منها.
فيقول مؤكدا لما قدمه من أن أمور الدنيا صائرة إلى الزوال، مبنية على سرعة الانتقال: لو فكر العاشق في مآل الذي يسبيه بحسنه، ويفتنه بجمال خلقه، من الموت الذي يعدمه، ويفنيه ويغيره، لخفف ذلك ما استقر له بقلبه، ولحسن له السلو