قلت: وحاصل هذا، أن الأخذ إما واجب، وهو المنصوص عن الإمام وابن حزم وغيرهما، أو مستحب، أو جائز إن لم يكن الحرام غالبا؛ وعن أحمد أنه قال: دعنا نكون أعزة، نقله في الفروع، وقال: جائزة السلطان أحب إلينا من صلة الإخوان؛ فيكون رد الإمام أحمد رحمه الله من باب الزهد والورع، حتى لا يناقض قوله.
وأما إذا كان الأكثر الحرام، فنقل ابن رجب رحمه الله، عن الإمام أحمد: ينبغي أن يجتنبه، إلا أن يكون شيئا يسيرا، أو شيئا لا يعرف، قال: واختلف أصحابنا، هل هو مكروه، أو محرم؟ على وجهين. وإن كان أكثر ماله الحلال، جازت معاملته، والأكل من ماله؛ وإن اشتبه الأمر فهو شبهة، الورع تركه. وقال الزهري ومكحول: لا بأس أن يأكل منه، ما لم يعرف الحرام بعينه؛ فإن لم يعرف مالا حراما بعينه، ولكن علم أن فيه شبهة، فلا بأس أن يأكل منه، نص عليه أحمد في رواية حنبل.
وروى الحارث عن علي رضي الله عنه أنه قال في جوائز السلطان:"لا بأس بها، ما يعطيكم من الحلال، أكثر مما يعطيكم من الحرام" وكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يعاملون المشركين، وأهل الكتاب، مع علمهم أنهم لا يجتنبون الحرام كله، كما تقدم عن الزهري ومكحول؛ ويروى في ذلك آثار كثيرة عن السلف.