للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في البراري والبلدان والنفس معه، فمن رحل والنفس معه ما رحل، والرجل من رحل عن نفسه، يا لها من رحلة توصلك إلى الحبيب، والرحلة عن النفس هجران عاداتها المذمومة.

قال : «المهاجر من هجر ما حرم الله» (١).

قال سري السَّقطيُّ: رأيت الحقَّ في المنام، فقلت: يا رب، كيف الطريق إليك؟ فقال: دع نفسك وتعال (٢).

وكان شيخنا رحمة الله عليه يقول في قول الشاعر:

تغرَّبْ عن الأوطان في طلبِ الغِنَى (٣)

يقول: تغرَّبْ عن أوطان عاداتك وشهواتك.

إذا أراد الإنسان أن يدخل بستانًا في الدنيا لا يدخله حتى يفارق وطنه وأهله، فتريد أنت الدخول لبساتين الغيب بغير مفارقة! سافر تجد عوضًا عمن تفارقه، من عرف ما يطلب هان عليه ما يبذل، «من ترك شيئًا لله عوضه الله أمثاله»، وفي حديث آخر: «ما هو خيرٌ منه» (٤).


(١) سبق تخريجه.
(٢) ذكره الغزالي في «الإحياء» ٤/ ٣٧٥، وابن الجوزي في «صفة الصفوة» ٤/ ١١١، والشاطبي في «الاعتصام» ١/ ١٩٨، من كلام أبي يزيد البسطامي.
(٣) في (خ): (تلتمس الغنى). كذا في النسخ: (الغنى). والصواب: (العُلَى)، وهو صدر بيت من أبيات تنسب إلى علي بن أبي طالب ، وتنسب أيضًا إلى الشافعي ، وهي:
تَغَرَّب عَنِ الأَوطانِ في طَلَبِ العُلى … وَسافِر فَفي الأَسفارِ خَمسُ فَوائِدِ
تَفَرُّجُ هَمِّ وَاِكتِسابُ مَعيشَةٍ … وَعِلمٌ وَآدابٌ وَصُحبَةُ ماجِدِ
فَإِنْ قيلَ في الأَسفارِ ذُلٌّ وَمِحنَةٌ … وَقَطعُ الفَيافي وَارتِكابِ الشَدائِدِ
فَمَوتُ الفَتى خَيرٌ لَهُ مِنْ قِيامِهِ … بِدارِ هَوانٍ بَينَ واشٍ وَحاسِدِ
(٤) لم يرد بهذا الفظ، لكن أخرج أحمد ٥/ ٧٨ (٢٠٧٣٩)، وأبو نعيم في «معرفة الصحابة» (٧٣١٥)، والشهاب القضاعي في «مسند الشهاب» (١١٣٥)، والبيهقي في =

<<  <  ج: ص:  >  >>