إلى المدرسة المنصورية التي بين القصرين واجتمع القضاة الأربعة هناك، فلم تثبت رؤيا الهلال إلا بعد العشاء، فلما رجع القاضي المحتسب إلى داره، لاقاه ابن عوض بالفوانيس، وعدة مشاعل كثيرة، وكانت له ليلة حافلة.
ومن العجائب أن النيل المبارك كان على وفاء، ولم يتأخر عليه غير أربع أصابع، فأشيع بعد العصر أن النيل نقص في تلك الليلة أصبعين، فاضطربت أحوال الناس بسبب ذلك، وكان قد مضى من مسري أحد وعشرون يوما، ولم يف النيل، وكانت أسعار الغلال والبضائع كلها في غاية الارتفاع، فكان كما يقال في المعنى:
رب وف النيل أنا … منه في كرب وبلوه
ما بقي للناس صبر … يحملون اليوم غلوه
فاستمر النيل في هذا التوقف على أربع أصابع، وقيل: نقص بعد ذلك أربع أصابع، فاستمر على ذلك خمسة أيام لم يزد فيها شيئا، فرسم ملك الأمراء لقضاة القضاة ومشايخ العلم ومشايخ الصوفية بأن يتوجهوا إلى المقياس، ويبتهلوا إلى الله تعالى بالدعاء في وفاء النيل، فتوجه قاضي القضاة الشافعي كمال الدين الطويل، والقاضي الحنفي الطرابلسي، والقاضي المالكي محيي الدين الدميري، والقاضي الحنبلي شهاب الدين الفتوحي، ومن مشايخ الصوفية الشيخ محمد المنير وغير هؤلاء من مشايخ الصوفية، فلما توجهوا هناك وباتوا بالمقياس نقص النيل في تلك الليلة أصبعين فصار النقص ستة أصابع، ثم نقص عشرة أصابع، وكان تأخر عن الوفاء على أربع أصابع، ونقص من بعد ذلك عشر أصابع فصار النقص أربع عشرة أصبعا عن الوفاء.
فلما كان يوم الأحد سادس رمضان، نزل ملك الأمراء وتوجه إلى المقياس، وكان قد مضى من مسري ستة وعشرون يوما، فأقام ملك الأمراء في المقياس ذلك اليوم، وفرقوا أجزاء الربعة على الحاضرين من الفقهاء فقرأوا فيها عشرين دورا، ثم قرأوا صحيح البخاري هناك.
وأشيع أن ملك الأمراء فرق هناك على الفقهاء مالا له صورة، وأحضر الأطفال الأيتام وفرق عليهم مبلغا له صورة، وأحضر من الآثار الشريفة القميص من المدرسة الغورية ووضعه في فسقية المقياس، وغسلوه في الماء الذي بها، وكثر هناك الضجيج والبكاء والتضرع إلى الله تعالى بالزيادة، فأقام ملك الأمراء في المقياس إلى قريب الظهر، ثم طلع إلى القلعة، فلما طلع أمر بإطلاق من في السجون من الرجال والنساء والأطفال، فأطلق منهم نحو ثمانين إنسانا، ونزل إلى القرافة وزار من بها من الصالحين، وفرق على