نحو عشرين ألف فارس، ودقت الطبول والزمور حربيا، وصار السلطان طومان باي راكبا بنفسه، وهو يرتب الأمراء على قدر منازلهم، وصف العسكر من الجبل الأحمر إلى غيط المطرية. فاجتمع هناك الجم الكثير من العسكر، وكان السلطان طومان باي له همة عالية ولو كان السلطان الغوري حيا ما كان يفعل بعض ما فعله السلطان طومان باي، لكن لم يعطه الله النصر على ابن عثمان، ولمم يقع في ذلك اليوم ين الفريقين قتال، ولم يبرز كل منهما إلى غريمه. فقطعوا في ذلك اليوم بعض رءوس من العثمانية، وأرسلوا علقوها على أبواب المدينة.
فلما كان يوم الخميس تاسع عشري ذي الحجة وقعت فيه كائنة عظيمة تذهل عند سماعها عقول أولي الألباب، وتضل لهو لها الآراء عن الصواب، وما ذاك إلا أن السلطان طومان باي لما توجه إلى الريدانية ونصب بها الوطاق، حصن الوطاق بالمكاحل والمدافع، وصف هناك طوارق، وصنع عليها تساتير من خشب، وحفر خندقا من الجبل الأحمر إلى غيط المطرية، وقد تقدم القول على ذلك. ثم إن السلطان جعل خلف المكاحل نحو ألف حمل جمل وعليها زكائب فيها عليق، وعلى أقتابها صناجق بيض وحمر تخفق في الهواء، وجمع عدة أبقار بسبب جر العجل، وظن أن القتال يطول بينه وبين ابن عثمان، أو أن الحصار يبقى مدة طويلة، فجاء الأمر بخلاف ذلك. فلما نزل عسكر ابن عثمان ببركة الحاج، أقام بها يومين، فلم يجسر السلطان طومان باي أن يتوجه إليهم، ولو توجه وقاتلهم هناك قبل أن يدخلوا الريدانية لكان عين الصواب.
فلما كان يوم الخميس المدم ذكره زحف عسكر ابن عثمان ووصل أوائله إلى الجبل الأحمر، فلما بلغ السلطان طومان باي ذلك زعق النفير في الوطاق، ونادى السلطان للعسكر بالخروج إلى قتال ابن عثمان، فركب الأمراء المقدمون ودقوا الطبول حربيا، وركب العسكر قاطبة حتى سدوا الفضاء، وأقبل عسكر ابن عثمان كالجراد المنتشر، وهم السواد الأعظم، فتلاقى الجيشان في أوائل الريدانية، فكان بين الفريقين واقعة مهولة يطول شرحها، أعظم من الواقعة التي كانت في مرج دابق. فقتل من العثمانية ما لا يحصى عددهم، وقتل سنان باشا لالا ابن عثمان، وكان أكبر وزرائه، وقتل من أمرائه وعسكره جماعة كثيرة، حتى صارت الجثث مرمية على الأرض من سبيل علان إلى تربة الأمير يشبك الدوادار.
ثم إن العثمانية تحايوا وجاءوا من كل ناحية أفواجا أفواجا كأنهم قطع الغمام، ثم انقسموا فرقتين: فرقة جاءت من تحت الجبل الأحمر، وفرقة جاءت للعسكر عند الوطاق بالريدانية.
وطرشوهم بالبندق الرصاص وهجموا عليهم هجمة منكرة، فما كان غير قليل حتى قتل من