للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عسكر مصر ما لا يعلمه إلا الله تعالى. وقتل من الأمراء المقدمين جماعة كثيرة منهم أزبك المكحل، وجرح الأتابكي سودون الدواداري جرحا بالغا، وقيل انكسر فخذه فاختفى في غيظ هناك، وجرح الأمير علان الدوادار، فلم تكن إلا ساعة يسيرة مقدار خمس عشرة درجة، حتى انكسر عسكر مصر وولى مدبرا وتمت عليهم الكسرة. فثبت بعد الكسرة السلطان طومان باي نحو عشرين درجة، وهو يقاتل بنفسه في نقر قليل من العبيد الرماة والمماليك السلحدارية فقتل من عسكر ابن عثمان ما لا يحصى. فلما تكاثرت عليه العساكر العثمانية، ورأى العسكر قد ذهب من حوله، خاف على نفسه أن يقبضوا عليه، فطوى الصنجق السلطاني وولى واختفى، قيل إنه توجه نحو طرا وهذه ثالث كسرة وقعت لعسكر مصر.

وأما الفرقة العثمانية التي توجهت من تحت الجبل الأحمر، فإنها نزلت على الوطاق السلطاني، وعلى وطاق الأمراء والعسكر، فنهبوا كل ما كان فيه من قماش وسلاح وخيول وجمال وأبقار وغير ذلك، ثم نهبوا المكاحل التي كان نصبها السلطان هناك. ونهبوا الطوارق والتساتير الخشب والعربات التي تعب عليها السلطان وصرف عليها جملة من المال، ولم يفده من ذلك شيء. ونهبوا البارود الذي كان هناك، ولم يبقوا بالوطاق شيئا لا قليلا ولا كثيرا، فكان ذلك مما جرت به المقادير، والحكم لله العلي الكبير.

ثم إن جماعة من العلمثانية لما هرب السلطان ونهبوا الوطاق، دخلوا القاهرة بالسيف عنوة، وتوجه جماعة منهم إلى المقشرة، وأحرقوا بابها وأخرجوا من كان بها من المحابيس، وكان بها جماعة من العثمانية سجنهم السلطان لما كان بالريدانية، فأطلقوهم أجمعين، وأطلقوا من كان في الديلم والرحبة والقاعة أجمعين.

ثم توجهوا إلى بيت الأمير خاير بك المعمار أحد المقدمين، فنهبوا ما فيه، وكذلك بيت يونس الترجمان، وكذلك بيوت جماعة من الأمراء وأعيان المباشرين ومساتير الناس، وصارت الزعر والغلمان ينهبون البيوت في حجة العثمانية، فانطلق في أهل مصر جمرة نار.

ثم دخل جماعة من العثمانية إلى الطواحين وأخذوا ما فيها من البغال والأكاديش وأخذوا عدة جمال من جمال السقائين، وصارت العثمانية فنهب ما يلوح لهم من القماش، وغير ذلك. وصاروا يخطفون جماعة من الصبيان المرد والعبيد السود، واستمر النهب عمالا في ذلك اليوم إلى ما بعد المغرب، ثم توجهوا إلى شون القمح التي بمصر وبولاق، ونهبوا ما فيها من الغلال حق المسلمين. وهذه الحادثة التي وقعت لم تكن لأحد على بال، وكان ذلك مما جرت به الأقدار في الأزل. وقتل في هذه المعركة ابن سوار بالريدانية،

<<  <  ج: ص:  >  >>