للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فى الحال وسكن روعى مما كنت فيه (١). وهذه الواقعة قد اشتهرت فى القاهرة.

وفى شهر رمضان كان مستهل الشهر يوم الثلاثاء، فطلع القضاة الأربعة وهنّوا ملك الأمراء بالصوم، ثم رجعوا إلى دورهم. - وفى ليلة الرؤية توجّه القاضى بركات ابن موسى المحتسب إلى المدرسة المنصورية التى بين القصرين، واجتمع القضاة الأربعة هناك، فلم يثبت رؤية الهلال إلا بعد العشاء، فلما رجع القاضى المحتسب إلى داره لاقاه الفوانيس والمناجنيق وعدّة مشاعل كثيرة، وكان له ليلة حافلة. - ومن العجائب أن النيل المبارك كان على وفاء ولم يتأخّر عليه غير أربعة أصابع وكانت ليالى وفاء، فأشيع بعد العصر أن النيل قد نقص أصبعين فى تلك الليلة، فاضطربت أحوال الناس بسبب ذلك، وكان قد مضى من مسرى ثلاثة وعشرون يوما ولم يف (٢) النيل، وكانت أسعار الغلال والبضائع كلها فى غاية الارتفاع، وجاء توقّف النيل غطىّ الحقّ. فكان كما يقال فى المعنى:

ربّ وفّ النيل إنا … منه فى كرب وبلوه

ما بقى للناس صبر … يحملون اليوم غلوه

فاستمرّ النيل فى هذا التوقّف على أربعة أصابع، وقيل نقص بعد ذلك أربعة أصابع، فاستمرّ على ذلك خمسة أيام لم يزد فيها شيئا، فرسم ملك الأمراء لقضاة القضاة ومشايخ العلم ومشايخ الصوفية بأن يتوجّهوا إلى المقياس ويبتهلوا إلى الله تعالى بالدعاء فى وفاء النيل، فتوجّه قاضى القضاة الشافعى كمال الدين الطويل والقاضى الحنفى الطرابلسى والقاضى المالكى محيى الدين الدميرى والقاضى الحنبلى شهاب الدين الفتوحى، ومن مشايخ الصوفية الشيخ محمد المنيّر وغير ذلك من مشايخ الصوفية، فلما توجّهوا إلى هناك وباتوا بالمقياس نقص النيل فى تلك الليلة أصبعين فصار النقص ستة أصابع، ثم نقص أربعة أصابع فصار النقص عشرة أصابع، وكان


(١) فيه: كتب المؤلف هنا فى متن الأصل الجملة الآتية، ثم شطبت: «ثم أشيع أن البنت قالت: وأحضرت لى معها قلة فيها ماء فشربت منها وردت لى روحى».
(٢) ولم يف: ولم يفى.