للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تأخر عن الوفاء على أربعة أصابع ونقص من بعد ذلك عشرة أصابع، فصار النقص أربعة عشر أصبعا عن الوفاء.

فلما كان يوم الأحد سادس رمضان نزل ملك الأمراء وتوجّه إلى المقياس، وكان قد مضى من مسرى سبعة وعشرون يوما، فأقام ملك الأمراء فى المقياس ذلك اليوم، وفرّقوا أجزاء الربعة على الحاضرين من الفقهاء فقرأوا فيها عشرين دورا، ثم قرأوا صحيح البخارى هناك. وأشيع أن ملك الأمراء فرّق هناك على الفقهاء والفقراء مالا له صورة، وأحضر الأطفال الأيتام من المكاتب وفرّق عليهم مبلغا له صورة، وأحضر الآثار الشريف من مدرسة الغورى ووضعه فى فسقية المقياس وغسلوه فى الماء الذى بها، وكثر هناك الضجيج والبكاء والتضرّع إلى الله تعالى بالدعاء فى أمر الزيادة.

فأقام ملك الأمراء فى المقياس إلى قريب الظهر، ثم طلع إلى القلعة، فلما طلع أمر بإطلاق من فى السجون من الرجال والنساء، فأطلق منهم نحو ثمانين إنسانا، ونزل إلى القرافة وزار من بها من الصالحين، وفرّق على الزوايا التى هناك مالا له صورة، وفعل من وجوه البرّ والصدقات أشياء كثيرة، وما أبقى فى ذلك ممكنا.

فلما كان يوم الأربعاء الموافق لتاسع عشرين مسرى عوّل ملك الأمراء بأن يخرج إلى الاستسقاء وصحبته الناس قاطبة يوم الخميس، وقد تزايد قلق الناس إلى الغاية، واشتدّ الأمر عليهم بسبب نقص النيل عند ليالى الوفاء، وقد قال القائل فى المعنى:

بمسرى النيل ما أوفى فضجّوا … ودبّ القحط فينا من أبيب

ولم أضرع لمخلوق لأنى … رأيت الله ألطف من أبى بى

وفى هذه الواقعة يقول الأديب البارع الناصرى محمد بن قانصوه من صادق، وقد أجاد حيث قال:.

أسبل النيل من عيونى عبرة … مذ أرانى من التنقّص عبره

يا لها عبرة ثوت بفؤادى … ورمت بالهموم فى القلب جمره

شهر مسرى تسع وعشرون يوما … فيه فات الوفا فأين المسرّه

ربّنا الطف بالخلق فى النيل واطلق … بزياداته من النقص أسره