فاشتراها المقر الشهابى أحمد بن الجيعان من الورثة بخمسمائة دينار، وقاسى بسببها مشقة زائدة، فأقامت عنده مدّة، ثم إنها مرضت وتزايد بها المرض حتى ماتت، فحصل له عليها حزن شديد وتأسّف عليها حتى كاد أن يموت من الحزن، واستمرّ مقيما بالتربة أياما وبادرت إليه الناس بالتعزية والسلام عليه، وصنع لها عدة مآتم بالتربة، واجتمع هناك القراء والوعّاظ، وعملت فيها الشعراء عدة مراث بديعة. قيل توفيت للشيخ زين الدين عمر بن الوردى زوجة فأنشأ يقول فيها:
إذا ما زوجة الإنسان ماتت … فما بقيت لمسكنه سكينه
وكيف يطيعه نظم ونثر … ولا بيت لديه ولا قرينه
ويقرب من واقعة الشهابى أحمد بن الجيعان ما وقع ليزيد بن عبد الملك بن مروان أحد الخلفاء الأموية، أنه قد اشترى جارية مولّدة من مولّدات البصرة، وكانت تسمى حبابة، فاشتراها بألف دينار، وكانت تشتمل على جملة من المحاسن، منها أنها كانت تضرب بالعود والجنك والقانون وسائر الآلات المطربة، وتحسن الغناء الجيد وتنظم الشعر وتحسن العربية، ولها خطّ جيد وتلعب بالنرد (١) والشطرنج، وكانت بديعة الجمال فافتتن بها يزيد بن عبد الملك وأحبّها حبا شديدا، حتى إنها أشغلته عن أمور الخلافة قاطبة والنظر فى أحوال الرعية، فاتّفق له أنه فى بعض الأيام توجّه إلى بستان بدمشق وصحبته تلك الجارية، وقال لوزرائه وحجّابه: إذا كان الغد فلا يخبرنى أحد منكم بشئ من أمور المملكة ولا بكتاب يرد من سائر الجهات قاطبة. فلما استقرّ بالبستان وأحضر سفرة الشراب ودارت بينهما الكاسات، ولم يكن فى المجلس غير يزيد وحظيته حبابة، فبينما هما فى أرغد عيش إذ تناولت حبابة فصّ رمّان لتأكله، فشرقت به بحبّة من الرمان فوقفت فى حلقها، فانخنقت واضطربت اضطرابا شديدا فخرجت روحها فى الوقت والساعة. فلما عاين يزيد ذلك كادت روحه أن تزهق من جسده وتأسّف على حبابة غاية الأسف، قيل لما ماتت أقامت سبعة أيام لم تدفن وهى بين يديه يشاهدها ويقبّلها ويبكى، ويقول: ما نظرتها