للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأصبهانية. - ثم إن النيل استمرّ فى التوقّف لم يزد شيئا، فأمر ملك الأمراء بإبطال المحرّمات من النبيذ (١) والحشيش والبوزة، ومنع بنات الخطا من عمل الفواحش. - ثم إن الوالى قبض على امرأة يقال لها أنس، وكانت ساكنة فى الأزبكية تجمع عندها بنات الخطا الذى يعملون الفاحشة، وكان عليها مبلغ مقرّر ترده فى كل شهر للوالى، وكان أمرها مشهور، فرسم ملك الأمراء بتغريقها هى وامرأة أخرى يقال لها بدرية زوجة شخص من الناس يقال له البغيضى، كانت ماشية على طريقة أنس هذه فى جمعها لبنات الخطا، فلما قبض الوالى على أنس توجّه بها إلى عند قصر ابن العينى الذى فى المنشيّة وغرّقها هناك بعد العصر، فاجتمع الجمّ الغفير من الناس بسبب الفرجة عليها، وكان يوما مشهودا، فغرّقت على النداء والإجهار، وأراح الله تعالى المسلمين منها، وطهّرت الأرض منها.

وفى يوم الجمعة رابع الشهر صلّى ملك الأمراء صلاة الجمعة بالقلعة، ثم نزل من القلعة وتوجّه إلى المقياس وقرأ (٢) هناك ختمة، ومدّ هناك للقرّاء مدّة حفلة. واستمرّ النيل سبعة أيام لم يزد فيها شيئا، وأشيع أنه نقص أربعة أصابع فتقلّق الناس لذلك، ووقع الغلاء فى سائر البضائع والأصناف. - ثم فى يوم السبت خامس رجب زاد الله فى النيل المبارك أصبعا واحدا بعد أن أوفى النقص، ففرح الناس بذلك وسكن الاضطراب الذى كان بمصر قليلا. وفى ذلك يقول الناصرى محمد بن قانصوه:

قد أصبح الخزّان مذ زاد هـ … ذا النيل بعد النقص فى بوسى (٣)

وقد غدا يقرأ على قمحه … قراءة تنسب للسوسى

فلما زاد النيل هذا الأصبع وسكن الاضطراب، شرع القاضى عبد العظيم المحتسب فى تسعير (٤) البضائع قاطبة، فانصلحت أحوال الديار المصرية قليلا ووقع الرخاء وتفاءل بكعبه كل أحد من الناس. وقد قلت فى ذلك:

يا قاضيا قد غدا بالله محتسبا … على الأعادى ولم يخش (٥) من الباس


(١) النبيذ: النبذ.
(٢) وقرأ: قرأ.
(٣) فى بوسى، أى فى بؤس.
(٤) تسعير: تسعر.
(٥) ولم يخش: ولم يخشى.