إلى الصعيد جعل شخصا من العثمانية متحدّثا عنه فى الحسبة إلى أن يحضر من السفر، فضاعت أحوال المسلمين فى هذه الأيام، ووقع الغلاء بالديار المصرية، وتشحّطت الغلال، وعزّ وجود الخبز من الأسواق، وتناهى سعر الأردب القمح إلى ألف درهم كل أردب، وتناهى سعر البطّة الدقيق إلى عشرين نصفا كل بطّة، وعزّ وجود الشعير والفول والتبن، فضجّ الناس من ذلك، وعزّ وجود الأجبان والسمن والسيرج وغير ذلك. فتوجّه طائفة من التركمان إلى بيت ابن موسى وضربوا المباشرين والرسل الذين (١) على الباب، وهرب التركمانى الذى كان يتحدّث فى الحسبة. ثم إن التركمان توجّهوا إلى بيت القاضى عبد العظيم، وهجموا عليه من حريمه وأخذوه وأركبوه غصبا وطلعوا به إلى ملك الأمراء، وقالوا له: إن لم تولّ هذه الحسبة وإلا تخرب مصر على أيامك وننهب المدينة عن آخرها. فما وسع ملك الأمراء إلاّ أن أحضر له قفطانا وأفاضه عليه واستقرّ به ناظر الحسبة عوضا عن ابن موسى، فنزل من القلعة بعد العصر وشقّ من القاهرة، وارتفعت الأصوات له بالدعاء من الناس، وكان محبّبا لأهل مصر قاطبة ففرح كل أحد من الناس بولايته، وظهر الخبز فى ذلك اليوم على الدكاكين، وتفاءل الناس بكعبه بالرخاء، وسكن ذلك الاضطراب الذى كانت فيه الناس قليلا.
وفى هذه الأيام توقّف النيل عن الزيادة أياما فتقلّق الناس لذلك. - وفى يوم الاثنين سلخ الشهر ثارت طائفة من الأصبهانية على الأمير جانم الحمزاوى وهو نازل من القلعة، وعيّنوا له الضرب، وقالوا له: قل لملك الأمراء قد متنا من الجوع، نحن وخيلنا من قلّة الشعير. ولا نلتقى فى الأسواق خبز، فإما أن يأذن لنا بالسفر أو أنه يكفينا من القوت. فما خلص منهم الأمير جانم الحمزاوى إلا بعد جهد كبير، وذكروا أن لهم ثلاثة أشهر جامكية مكسورة فى الديوان.
وفى شهر رجب كان مستهلّ الشهر يوم الثلاثاء، فطلع القضاة وهنّوا ملك الأمراء بالشهر، وعادوا إلى دورهم. - وقد تقلّق الناس من أمر