للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وطلع إلى الرملة ودخل إلى الميدان، فطوّب إلى القضاة وانصرفوا إلى بيوتهم، وكان موكب للسلطان هيّنا بخلاف مواكبه المقدّمة. وفى يوم الخميس رابع عشره فرّق السلطان الكسوة على العسكر مع الجامكية. - وفى ذلك اليوم أخلع السلطان على حسام الدين محمود بن قاضى القضاة سرىّ الدين عبد البرّ بن الشحنة وقرّره فى قضاء الحنفية، عوضا عن القاضى شمس الدين السمديسى الحنفى بحكم انفصاله عن القضاء، فكانت مدّته فى القضاء سنة وعشرة أشهر وثمانية أيام، وكان من أخصّاء السلطان وإمامه ولكن سعى عليه الحسامى محمود بن الشحنة بثلاثة آلاف دينار حتى ولى وظيفة القضاء، وكان الحسامى محمود شابّا قليل الرأسمال (١) من العلم ولم يكن فى طبقة علماء الحنفية ممن ولى وظيفة قضاء الحنفية، ولكن السلطان ما عنده أعزّ ممن يورد له مال ويكون مهما كان، وقد استكثر غالب الناس على محمود وظيفة القضاء، وفيه يقول القائل:

لا واخذ (٢) الرحمن سلطاننا … أفعاله بالطبع رهّاجة

ولّى علينا للورى قاضيا … ما كان للدهر به حاجة

وفى ذلك اليوم أخلع السلطان على محيى الدين يحيى بن قاضى القضاة برهان الدين الدميرى وأعاده إلى قضاء المالكية، عوضا عن جلال الدين بن قاسم بحكم انفصاله عن القضاء، وقد سعى عليه محيى الدين يحيى الدميرى بألفى دينار، وهذه ثانى ولاية وقعت لمحيى الدين بن الدميرى بمصر، فكان مدّة جلال الدين بن قاسم فى قضاء المالكية سنة وعشرة أشهر وثمانية أيام مثل مدة السمديسى الحنفى فإنهما وليا فى يوم واحد، وقد تولّى الحسامى محمود ومحيى الدين يحيى بن الدميرى فى يوم واحد، وشقّا من القاهرة وعليهما التشاريف، وكان لهما يوم مشهود. - وفى هذا الشهر كملت عمارة مدرسة الأمير بيبرس قريب السلطان التى أنشأها بقرب خط الجودرية، وجاءت فى غاية الحسن والظرف، فخطب بها فى ذلك الشهر. - وفى يوم الاثنين حادى عشرينه كان أول هاتور الشهر القبطى، ومن العجائب


(١) الرأسمال: الرسمال.
(٢) واخذ: كذا فى الأصل، ويعنى آخذ.