للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وصاروا يخطفون العمائم والشدود، وقتل مملوك امرأة فى طريق مصر وقد ساق الفرس فقوى رأسه عليه فداس امرأة راكبة على حمار فماتت من وقتها، وغرقت مركب تلك الليلة بمن فيها من الناس، وكانت ليلة كثيرة الاضطراب ماجت فيها الناس وخرجت البنت فى خدرها حتى تنظر وقدة السلطان وحراقة النفط، فأقام السلطان فى المقياس يوم الأربعاء ويوم الخميس إلى بعد العصر ثم طلع إلى القلعة، وكان ولده المقرّ الناصرى (١) محمد صحبته وغالب الأمراء، انتهى ذلك، وقد نظمت هذه القصيدة فى هذه الواقعة حيث أقول:

لم يسمح الدهر فيما جاد من فرج … كليلة (٢) سمحت للأشرف الغورى

فإن ترد وصفها أنشدت مرتجلا … فى وقدة الليل بالأملاك والدور

من برّ مصر ومقياس يقابله … كان التقابل بين النور والنور

حاكت مصابيحها ضوء النجوم إذا … ما أزهرت بالدجى فى ليل ديجور

وكم رأينا قلاعا فى دخائرها … صوارخ بضياء فى الجوّ منشور

كواكب النفط قد حاكت لنا قمرا … بضوء زهر بدا فى الماء منشور

قلوب أزياره صارت مفرقعة … من وهج نيرانها فى زىّ مقهور

وصوت باروده مثل الرعود إذا … ما صرّخوه يحاكى نفخة الصّور

وضاق رحب الفضاء فى البحر من سفن … لما بدت فى ازدحام كلّ شختور

وكم سمعنا مغنّ صوته طرب … يشدو على آلتى عود وطنبور

قالت لنا روضة المقياس ذا عجب … هل بعد يوم الوفا جبر لمكسور

تاريخ سلطاننا فاق الملوك إذا … تفاخروا فهو تاج الكلّ بالدّور

حفّت عساكره من حوله زمرا … فكم سبا جمع أحزاب على الفور

لو عاش من أنشأ المقياس قال له … أنت الآن (٣) علينا خير مشكور

فلا الرشيد ولا المأمون ناسبه … فى أمره ناهيا عن كل منكور


(١) الناصرى: الناصر.
(٢) كليلة: كلية.
(٣) الآن: الام.