وفى يوم الجمعة سابع عشره طلب السلطان قاضى القضاة كمال الدين الطويل وأخلع عليه وأعاده إلى قضاء الشافعية كما كان، وعزل عنها محيى الدين بن النقيب فكانت مدّته فى هذه الولاية شهرين وستة عشر يوما، ونفذ منه مال له صورة على هذه المدّة اليسيرة، فكان كما يقال:
لم أستتمّ عناقه لقدومه … حتى ابتدأت عناقه لوداعه
ثم وكّل به السلطان وبعثه إلى بيت ناظر الخاصّ وقد بقى عليه ألف دينار من بقيّة ما سعى به فلم يتركها له السلطان، فلم يرث له أحد من الناس فيما جرى عليه، ولم ينطل (١) على أحد منهم، وقد تعصّبت الأمراء قاطبة لقاضى القضاة كمال الدين حتى أن بعض الأمراء لم يصلّ بالقلعة فى مدّة ولاية ابن النقيب ولم ينطل على أحد منهم، فلما كان يوم الجمعة المذكور طلب السلطان قاضى القضاة كمال الدين وهو بالميدان فأخلع عليه هناك، وشق من القاهرة فى موكب حافل، وزينت له الدكاكين بالشموع والأمتعة الفاخرة ولاقته المغانى والطبل والزمر وانطلقت له النساء بالزغاريت من الطيقان، واستمرّ فى هذا الموكب الحافل حتى وصل إلى الخانقاة البيبرسية، فلما كان وقت صلاة الجمعة من ذلك اليوم طلع وخطب بالسلطان خطبة بليغة فى معنى عوده إلى القضاء، وقرأ فى المحراب «هذه بضاعتنا ردّت إلينا»، فلما انقضى أمر الصلاة أخلع عليه ثانيا وأشيع أنه قرّر فى مشيخة الخشابية والشريفية عوضا عن بدر الدين المكينى، وقد صار بيده مشيخة الخانقاة البيبرسية ومشيخة الخشابية والشريفية مع قضاية القضاة وهذا لم يتفق لغيره من القضاة، بل وقع لابن حجر والقاياتى أنهما جمعا بين قضاية القضاة وبين مشيخة الخانقاة البيبرسية وهذا عزيز الوقوع جدّا، وقيل إن قاضى القضاة
(١) ولم ينطل على أحد منهم: جاءت فى الأصل بعد «وقد تعصبت الأمراء».