للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قد كثر الغدر فاعذرونى … لما توقّفت فى الوفاء

فلم يقم النيل سوى أياما قلائل وانهبط بسرعة، وشرّق غالب البلاد، وحصل بسبب ذلك الضرر الشامل. - ولما وقعت الفتن بمصر بين الأتراك وقعت الفتن أيضا بين العربان، وأحرقوا القمح والشعير وهو فى الجرون، ونهب عدة بلاد، فوقع الغلاء بالديار المصرية، [وانتهى سعر القمح] (١) إلى ألف درهم كل أردب، واستمرّ على ذلك مدة طويلة، وكانت الأحوال فى تلك الأيام فى غاية الفساد، وهذا الأمر معلوم من غير أن يشرح.

واستمرّ الحرب ثائرا على ما ذكرناه من القتل والنهب عمّال، والرمى بالمدافع والبندق الرصاص والنشاب ليلا ونهارا، إلى أن كان يوم الجمعة سادس عشرين ذى الحجة تسحّب من كان عند الأمير آقبردى من العسكر جملة واحدة، ولم يبق معه سوى مماليكه وبعض مماليك السلطان والأمراء المقدّمين الذين هم من حلفه؛ وكان الأمير جانم الأجرود الأينالى كاشف منفلوط، وأحد الأمراء المقدّمين، قد جرح واختفى ومات من تملك الجرح عقيب ذلك وهو مختفى ولم يشعر به أحد؛ ثم إن الأمير آقبردى اضطربت أحواله، وتشتّت ذلك الجمّ الغفير الذى كان عنده، بعد ما أكلوا أسمطته وأخذوا أضحيته، ونفق عليهم جامكية شهر (٢) من ماله، فلم يرعوا له ذلك، ولا أثمر فيهم ما فعله بهم، فكان كما يقال فى المعنى:

لقاء أكثر من يلقاك أوزار … فلا تبالى أصدّوا عنك أو زار (٣)

أخلاقهم حين تبلوهنّ أوعار … وفعلهم مأثم للمرء أو عار

لهم لديك إذا جاءوك أوطار … إذا قضوها تنحّوا عنك أو طار (٤)

فلما كان وقت المغرب من ليلة السبت نزل كرتباى الأحمر من القلعة، وصحبته جميع من كان بالقلعة من المماليك الكبار والصغار الذين (٥) كانوا بالطباق، وزحفوا زحفة واحدة (٦)،


(١) ما بين القوسين نقلا عن ف. وينقص فى الأصل.
(٢) شهر: فى ف: شهرين.
(٣) زار، يعنى: زاروا.
(٤) طار، يعنى: طاروا.
(٥) الذين: الذى.
(٦) واحدة: أضيف بعدها فى ف: وهجموا على جماعة آقبردى فانكسروا وفروا.