فلما طال على العسكر الذى كان مع اقبردى أمر الحصار، وأبطأ عليهم دمنيكوا بفراغ المكحلة التى شرع فى سبكها، وصار يقتل فى كل يوم من حلف آقبردى جماعة كثيرة، فبقى يتسحّب منهم جماعة ويطلعون إلى القلعة شيئا فشيئا، فبان على آقبردى التلاشى، فلما تحايت الطائفة الفوقانية، فعند ذلك ظهر جان بلاط من يشبك الذى كان دوادارا كبيرا، وظهر قرقماس من ولى الدين، وقيت الرجبى، وقانصوه المحمدى المعروف بالبرجى، وظهر قبل ذلك كرتباى الأحمر، وأزبك اليوسفى الظاهرى، وتانى بك الجمالى، وغير ذلك من الأمراء ممن كان مختفيا من حين ركب قانصوه خمسمائة وانكسر.
فلما ظهروا وطلعوا إلى القلعة قويت شوكة من كان بالقلعة وجدّوا فى القتال، ولو حطم آقبردى أول يوم ودخل إلى المدينة، لكان ملك القلعة فى ذلك اليوم من غير مانع له، وكانت قلوب العسكر معمّرة منه بالرعب الشديد، ولكن استخفّ آقبردى بمن كان بالقلعة ولم يعلم ما وراء ذلك، فاشتدّ أمر القتال ممن كان بالقلعة، واستطالوا على التحاتة (١) الذين من حلف آقبردى بالنشاب والبندق الرصاص والمدافع، حتى أهلكوا منهم ما لا يحصى.
وكان مع آقبردى مدرسة السلطان حسن وسبيل المؤمنى وسويقة عبد المنعم، وصار آقبردى معه صنجق سلطانى، وهو يقول: الله ينصر السلطان الملك الناصر؛ وكرتباى الأحمر وبقية الأمراء معهم صنجق سلطانى، وهم يقولون:
الله ينصر السلطان الملك الناصر؛ فحار فكر الناس بين الفريقين ولا بقى يعلم هذه الركبة على من؟ إما على السلطان أو على الأمراء فى بعضهم؟ واستمرّ الحال على ذلك حتى كان ما سنذكره فى موضعه.
وأما من توفى فى هذا الشهر من الأعيان، منهم قاضى القضاة ناصر الدين محمد ابن الإخميمى الحنفى، وهو محمد بن أحمد الأنصارى القاهرى الحنفى، وكان عالما فاضلا يقرأ بالسبع روايات، وكان ضنينا بنفسه، وكان إمام السلطان الملك الأشرف
(١) التحاتة: كذا فى الأصل، ويعنى الذين تحت القلعة.