للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن الحوادث فى هذا الشهر أن القاضى أبو البقا بن الجيعان، وكان طالعا إلى القلعة فصلّى صلاة الفجر وخرج من داره، فلما وصل إلى الحمّام التى يرى بين (١) زقاقهم خرج عليه بعض المماليك، فضربه بخنجر فى بطنه ضربة بالغة، فمات من وقته، وما عرف قاتله، واتّهم به جماعة من المماليك، ولم تنتطح فى ذلك شاتان؛ وكان رئيسا حشما فاضلا عارفا بأحوال المملكة، وكان مقرّبا عند الأشرف قايتباى، ورقى فى أيامه وانتهت إليه الرياسة، وفاق على من تقدّمه من أقاربه، وكان أدوبا حلو اللسان سيوسا وله اشتغال بالعلم، وكان من نوابغ بنى الجيعان، وكان اسمه أبو البقا محمد بن يحيى بن شاكر، وله برّ ومعروف، وهو الذى أنشأ عمارة الزاوية الحمراء، وجعل بها خطبة، والحوض والسبيل، وأنشأ هناك القصور والمناظر والغيط الحافل، وصار ذلك المكان من جملة مفترجات القاهرة، وتسعى إليه الناس فى زمن النيل بسبب الفرجة هناك، وصار عوضا عن التاج والسبعة الوجوه التى كان من المفترجات القديمة؛ ومات أبو البقا وقد قارب الستين سنة من العمر، فلما مات أخلع السلطان على أخيه صلاح الدين وقرّره فى استيفاء الجيش، مضافا لما بيده من نيابة كتابة السرّ.

وفيه تزايد شر المماليك الجلبان، وضيّقوا على السلطان وصار معهم فى غاية الضنك، فأرسل يستحثّ آقبردى الدوادار فى سرعة المجئ. - فلما كان يوم الخميس رابع عشرين هذا الشهر وصل آقبردى الدوادار إلى برّ الجيزة، فلما تسامعت به الأمراء خرجوا إليه قاطبة، وكذلك العسكر، ولم يخرج إليه قانصوه خال السلطان، فتلطّف به الأتابكى تمراز حتى ركب معه، وتوجّها إلى نحو السواقى التى عند الهدّ بالقرب من درب الخولى، فقصد قانصوه خال السلطان أن يعدّى من هناك ويتوجّه إلى آقبردى ليسلّم عليه، فمنعوه المماليك من ذلك، وقالوا له: متى ما رحت إليه يقبض عليك؛ فتخيّل من ذلك ورجع من حيث أتى، فعند ذلك كثر القيل والقال، واضطربت الأحوال، وصار العسكر على ثلاث فرق، فرقة مع آقبردى الدوادار،


(١) الذى يرى بين: فى ف: الذى بنى خارج عن.