وفيه تزايد أذى الجلبان فى حق آقبردى الدوادار، وصار مهدّدا بالقتل فى كل يوم، حتى ساءل السلطان بأن يولّيه نيابة الشام ويخرج إليها خوفا على نفسه من الجلبان، فلم يسمح له السلطان بذلك.
وفى رمضان، فى أول ليلة منه، لم يطلع أحد من الأمراء، ولا فطر عند السلطان على جارى العادة، وكثرت الإشاعات بوقوع فتنة كبيرة بسبب آقبردى الدوادار. - فلما كان يوم السبت رابع شهر رمضان ركب الأمير آقبردى، ووافقه على ذلك تانى بك قرا أمير مجلس، وآقباى نائب غزّة رأس نوبة النوب، وجانم الأجرود أحد المقدمين، وكاشف منفلوط، وجانم المصبغة حاجب الحجاب، وغير ذلك من الأمراء الطبلخانات والعشرات، والجمّ الغفير من الجند، ممن هو عصبة آقبردى، فوقع فى ذلك اليوم واقعة مهولة، فانكسر آقبردى بعد العصر واختفى؛ فلما دخل الليل هرب آقبردى هو ومماليكه، وأخذ صحبته آقباى نائب غزّة رأس نوبة النوب، فلما هرب توجّه إلى نحو الصعيد، فأقام به حتى كان من أمره ما سنذكره.
وفيه توفى خالص الطواشى التكرورى مقدّم المماليك، وكان عنده لين جانب، وكان لا بأس به؛ فلما مات قرّر فى تقدمة المماليك مثقال الحبشى البرهانى، الذى كان مقدّم المماليك ونفى إلى القدس وأعيد إلى القاهرة. - وفيه اشتدّ الحرّ وعزّ وجود السقايين، وتكالب الناس على الروايا والجمال حتى تخانقوا بالعصىّ، وبلغ سعر الراوية الماء ثلاثة أنصاف فضة ولا توجد.
ومن النوادر الغريبة أن فى يوم التاسع والعشرين من هذا الشهر أمر السلطان بأن تدقّ الكوسات بالقلعة، وقال: أنا أعمل العيد فى الغد من هذا الشهر إن رأوا الهلال أو لم يروا؛ فلما أشيع ذلك بين الناس ركب قاضى القضاة الشافعى زين الدين زكريا وطلع إلى القلعة، فاجتمع بالسلطان وعرّفه أن العيد لا يكون إلا إذا رؤى الهلال، فشقّ ذلك على السلطان، وهمّ بعزل القاضى فى ذلك اليوم؛ فلما دخل الليل لم ير الهلال فى تلك الليلة وجاء العيد بالجمعة، وكان الناصر تطيّر من العيد بأن يجئ يوم الجمعة، فكان ذلك على رغم أنفه.