ثم يقول المصنف:[والله تعالى وتر لا يشفعه أحد، فلا يشفع عنده أحد إلا بإذنه] بمعنى: أن هذا الإنسان الذي طلب حاجته من صاحب السلطان، وفي نفس الوقت طلب من الرجل الوسيط أن يشفع له، فهو في الحقيقة قضى غرضه وحاجته عن طريق اثنين وليس عن طريق واحد، وهما الوسيط الشافع والمشفوع إليه، وهذا لا ينطبق -بأية حال- على الله تبارك وتعالى، فإن الله سبحانه وتعالى متفرد بالأمر والخلق والرزق والنفع والضر وعنده وحده خزائن كل شيء، وهو وحده الذي إذا أراد أمراً قال لهكُنْ فَيَكُونُ [البقرة:١١٧] فليس لهذا الإنسان أو الوسيط أي أثر، ولذا فإن قول المشركين هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ [يونس:١٨] هو من أبطل الباطل وأقبح القبيح، وهو الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله تبارك وتعالى.
يقول المصنف:[فلا يشفع عنده أحد إلا بإذنه، فالأمر كله إليه سبحانه وتعالى، فلا شريك له بوجه] ثم يستدل على ذلك بالأمر المشهور المعلوم لدى جميع المسلمين وهو: أمر النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: [فسيد الشفعاء يوم القيامة] الذي اختصه الله تعالى بالوسيلة التي لم تعط إلا لرجل واحد وهو: الرسول صلى الله عليه وسلم [إذا سجد وحمد الله تعالى يقول له ربه عز وجل: ارفع رأسك، وقل يسمع، وسل تعط، واشفع تشفع] وهذا بعد أن يلهمه ربه عز وجل من أنواع الثناء والمحامد ما لم يعلمه من قبل، فهو يستأذن ربه، ثم يجيبه ربه تبارك وتعالى، أما هو فلا يملك من عند نفسه شيئاً؛ بل جميع الأنبياء -حتى أولوا العزم- يتراجعون عن الشفاعة، فضلاً عمن عداهم، ويبقى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيتقدم ويقول:(أنا لها أنا لها ثم يكون منه السجود، ثم يكون من ربه تعالى الإجابة) .