للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد بين المُصْنِّف -رَحِمَهُ اللَّهُ- أنه قد جَاءَ في القُرْآن النفي بـ"لن"، وجاء مع ذلك ما يدل عَلَى عدم التأبيد، ومن ذلك أن الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أخبر عن الْمُشْرِكِينَ من اليهود وغيرهم أنه تحداهم إن كانوا عَلَى الحق والعقيدة الصحيحة والدين الصحيح أن يتمنوا الموت؛ لأن اليهود كما قال تعالى: وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّر [البقرة:٩٦] فهم يخافون من الموت خوفاً لا نظير له، والواثق من دينه لا يخاف من الموت، نعم كل البشر يخافون من الموت لكن الذي يثق بدينه، وأنه إن مات عَلَى هذا الدين والإيمان، فإنه سيتلقاه الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- بالرحمة والرضوان؛ لأنه عَلَى هدى من ربه ويقين من دينه لا يخاف.

لكن هَؤُلاءِ يخافون لأنهم ليسوا واثقين مما هم عليه من الدين، فلهذا قال الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى عنهم: وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً [البقرة:٩٥] أما في الدنيا فنعم ولكن في الآخرة أخبر الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- عن أهل النَّار أنهم سيقولون: وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ [الزخرف:٧٧] ويتمنوا ذلك وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَاباً [النبأ:٤٠] ولكن الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- قد كتب أنهم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخرجون منها - عافانا الله من عذابها -فلما أخبر تَعَالَى أنهم في الدنيا لن يتمنوه، وأخبر أنهم في الآخرة يتمنون ذلك علمنا أن "لن" ليست للتأبيد المطلق وإنما غاية ما تدل عليه أنهم لن يتمنوه في هذه الحياة الدنيا، فقوله: لَنْ تَرَانِي، غاية ما يدل عليه أن الرؤية لن تقع في حدود الحياة الدنيا.

<<  <   >  >>