للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الوجه الثاني: أن "لن" لو كانت للتأبيد لما جاز أن يحدد الفعل بعدها، فلو كانت هذه الأداة في لغة العرب كما يزعمون للتأبيد المطلق لما صح أن يقع بعدها استثناء أو تحديد للفعل، بينما نجد أنه قد جَاءَ ذلك في القرآن، كما في قوله تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى لسان أخي يوسف فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي [يوسف:٨٠] إذا حصل الإذن من أبيه فإنه سيبرح الأرض، فحصل النفي بـ "لن" وحصل معه التحديد، فالنفي يستمر إِلَى حالة حصول الإذن، فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي.

إذاً: ليست "لن" للتأبيد المطلق الذي لا تحديد فيه، وإنما تأتي للتأبيد المحدد بقدر محدد، وهذا معلوم من لغة العرب، ولا يمكن لأي إنسان سليم الفطرة ونقي العقل يقرأ كلام العرب ويتخاطب به إلا فهم أنه لا يمنع أحداً أن يقول: " لن أفعل كذا حتى يكون كذا " بل هذا سائغ ووارد من كلام العرب.

واستدل المُصْنِّف رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى ذلك بقول الإمام الشيخ " جمال الدين ابن مالك "صاحب" الألفية " وغيرها من الكتب النحوية المشهورة، الذي بلغ صيته الآفاق في النحو وكان -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- من النحاة الكبار الذين أحيوا وجددوا هذا العلم في العصور المتأخرة، فابن مالك هذا -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- يقول:

ومن رأى النفي بلن مؤبداً فقوله اردد وسواه فاعضدا

أي: والقول الآخر قوّه، ورد قول من يقول إن النفي "بلن" مؤبد.

فهذا رجل من المشهود لهم بالمنزلة العالية في النحو وهو يشهد بما عليه مذهب أهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ من أن "لن" ليست لتأبيد النفي، فبطل بذلك قول أُولَئِكَ المعتزلة -ولله الحمد- وبذلك نكون قد انتهينا من الكلام عن الآية الأولى وهو قوله تَعَالَى لموسى: لَنْ تَرَانِي.

الرد على استدلالهم بقوله تعالى: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ

الآية الثانية التي استدل بها المعتزلة: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ.

<<  <   >  >>