أي: اترك الأمواج الكثيرة التي دخل بعضها في بعض، لكثرتها والجأ إلى ما فاض من يده، فما عداه بالنسبة له كالعدم، والمعنى: إن عطاء غيره بالنسبة له لا يعد شيئًا. لو لم تحط كفه بالبحر ما شملت ... كل الأنام وروت قلب كل ظمي ظمآن لكنها شاملة كل العالم، فهو استدلال على دعواه إحاطة كفيه بالبحر، وذلك لأن هدايته وإنقاذه من الضلال وشفقته شاملة لجميع العالم، قال تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} ، فهو قياس استثنائي، فاستثناء نقيض التالي ينتج نقيض المقدم، "فسبحان من أطلع أنوار الجمال من أفق جبينه، وأنشأ أمطار السحائب من غمائم يمينه" ثم استدل على دعواه كثرة إنعامه، فقال: "روى البخاري، من حديث جابر" بن عبد الله، قال: "ما سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن شيء قط"، يقدر عليه من الخير، "فقال: لا" بل يعطيه إن كان عنده، أو يعده بميسور من القول إن ساغ وإلا سكت أو دعا، "وكذا عند مسلم" عن جابر، ولو قال: أولًا: روى البخاري، ومسلم لا غناه عن هذا "أي: ما طلب منه شيء من أمر الدنيا، فمنعه، قال الفرزدق" همام بن غالب بن صعصعة، بن ناجية التميمي، قال المرزباني: كان سيدًا جوادًا، فاضلًا وجيهًا عند الأمراء والخلفاء، وأكثر العلماء يقدمونه على جرير، مات سنة عشر ومائة، وقد قارب المائة، وقيل: بلغ مائة وثلاثين سنة، والأول أثبت، وصحَّ أنه قال الشعر أربعًا وسبعين سنة، لأن أباه أتى إلى علي في سنة ست وثلاثين، فقال: إن ابني شاعر، فقال علي: علّمه القرآن، فإنه خير له من الشعر، فكان ذلك في نفس الفرزدق، فقيِّد نفسه، وآلى أن لا يحل نفسه حتى يحفظ القرآن، ووهم من زعم أنه صحابي، كما بينه في الإصابة. "ما قال لا قط إلّا في تشهده" أي نطقه بكلمة التوحيد، سواء كان في صلاة أم لا، "لولا التشهد كانت لاؤه نعم" مرفوع، على الحكاية، أي: هذا اللفظ، أي: لولا أنه ينطق بلا في التشهد لم ينطق إلّا بنعم، وظاهر