وأشجعهم وأكملهم في جميع الأوصاف الحميدة، وكان جوده بجميع أنواع الجود، من بذل العلم والمال، وبذل نفسه لله في إظهار دينه وهدايته عباده وإيصال النفع إليهم بكل طريق، من إطعام جائعهم, ووعظ جاهلهم، وقضاء حوائجهم، وتحمّل أثقالهم، ولقد أحسن ابن جابر حيث قال:
يروى حديث الندى والبشر عن يده ... ووجهه بين منهل ومنسجم
من وجه أحمد لي بدر ومن يده ... بحر ومن فمه در لمنتظم
يمم نبيًّا يباري الريح أنمله ... والمزن في كل هامي الودق مرتكم
لو عامت الفلك فيما فاض من يده ... لم تلق أعظم بحر منه إن تعم
وأكملهم في جميع الأوصاف الحميدة، وكان جوده بجميع أنواع الجود من بذل العلم والمال, وبذل نفسه لله في إظهار دينه" كما ظهر يوم حنين وأُحُد؛ إذ بقى بين العدو وحده، "وهدايته عباده, وإيصال النفع إليهم بكل طريق، من" بيان الجملة الطرق التي بان فيها جوده؛ "إطعام جائعهم، ووعظ جاهلهم، وقضاء حوائجهم، وتحمل أثقالهم. ولقد أحسن ابن جابر، حيث قال، يروي حديث الندى" كثرة الإعطاء، "والبشر" بكسر الموحدة، وسون المعجمة، طلاقة الوجه, "عن يده" عائد للندى، "و" عن "وجهه" عائد للبشر، فهو لف ونشر مرتب، وهذا خير من رفع وجهه، على أنه جملة حالية، لأن البشر لا تعلق له باليد، "بين منهل" بضم الميم، وفتح الهاء، وشد اللام، أي: مطر كثير، "ومنسجم" بضم الميم وسكون النون، وفتح السين، وكسر الجيم، متوسط, يريد أن عطاياه وطلاقة وجهه لازمان له، لا ينفكان عنه, غايته أنهما دائران بين الكثرة والتوسط، والجملة صلة يروي، أو حال من الندى والبشر، "من وجه أحمد" ولاح "لي بدر" نور كنوره, "ومن يده بحر" عطاء كالبحر، "ومن فمه در" كبار اللؤلؤ، أي: ثنايا كدُرٍّ، "لمنتظم" في سلكه، فهو تشبيه بليغ في الثلاثة، أو استعارة تصريحية؛ "يمم" اقصد في مهماتك "نبيًّا" كثير الخير والرحمة؛ بحيث "يباري" بضم الفوقية، أو التحتية، والأكثر تأنيث الريح، -فألف فموحدة فراء فتحتية- يغالب ويعارض "الريح", فعل "أنمله" فتريد الريح فعل مثلها في سرعة الحصول، والوصول إلى المحتاج، فلا تقدر على ذلك، وإن لم تنفك عن الهبوب, "والمزن" جمع مزنة سحابة بيضاء، عطف على الريح، حال كون المزن، "من كل هامي" سائل "الودق" المطر "مرتكم" مجتمع ماؤه لكثرته، أي: من كل سحاب كثير المطر، احترازًا عن سحاب لا مطر فيه، والمعنى أن ما سأل منه شابه أنمله في الإعطاء، وإن افترقا في أن عطاءه أتمَّ وأرجح، "لو عامت الفلك فيما فاض" أي: في البحار التي فاضت "من يده، لم تلق أعظم بحر منه أن تعم" فلا تعوم إلا فيه: