صلى معه قارئٌ للقرآن، ليس كلهم أُمِّيِّين، وفي قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من قام مع الإمام حتى ينصرف كلتب له قيام ليلته": دلالة على أن القارئ والأمي إذا قاما مع الإمام إلى الفراغ من صلاته كُتِب له قيام ليلته، وكَتْبُ قيام ليلةِ أفضلُ من كَتْبِ قيام بعض الليل".
واحتج به أيضاً ابن المنذر في الصلاة خلف الإمام الذي لا يفصل بين الشفع والوتر بالتسليم، فقال: "أوتر معهم ولا أخالفهم، ولا أحب أن أنصرف ولا أوتر معهم؛ لحديث أبي ذر"، ثم أسنده ثم قال: "في قوله: "إن الرجل إذا قام مع الإمام حتى ينصرف كتبت له بقية ليلته": دليلٌ على أن الصلاة في الجماعة مع الإمام في شهر رمضان أفضل من صلاة المنفرد، مع ما يدل عليه قوله:"صلاة الجميع تفضل صلاة الفد بخمس وعشرين درجة"، ... "، إلى آخر ما قال.
ولحديث أبي ذر طرق أخرى:
أ - فقد رواه صفوان بن صالح [الدمشقي، وهو: ثقة، من أصحاب الوليد]: حدثنا الوليد بن مسلم [دمشقي، ثقة ثبت]: حدثنا صفوان بن عمرو [هو: ابن هرم السكسكي: حمصي ثقة، من الطبقة الخامسة]، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه، عن أبي ذر، قال: قام فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة سبع وعشرين من شهر رمضان إلى ثلث الليل الأول، ثم انصرف إلى معتكفه، فأتيته فقلت: يا رسول الله لقد جئناك، ولقد تشدَّدنا للقيام، وما كنا نظن أنك تفارق مقامك حتى نصلي الصبح، فقال: "يا أبا ذر انك إذا صليت بصلاة إمامك وانصرفت، كتب لك قنوت ليلتك".
أخرجه جعفر الفريابي في الصيام (١٥٠).
ب - خالفه: أبو اليمان [الحكم بن نافع، البهراني الحمصي: ثقة ثبت]: حدثنا صفوان بن عمرو، عن شريح بن عبيد الحضرمي، يرده إلى أبي ذر؛ أنه قال: لما كان العشر الأواخر اعتكف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المسجد، فلما صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاة العصر من يوم اثنين وعشرين، قال: "إنا قائمون الليلة إن شاء الله، فمن شاء منكم أن يقوم فليقم"، وهي ليلة ثلاث وعشرين، فصلاها النبي - صلى الله عليه وسلم - جماعةً بعد العتمة حتى ذهب ثلث الليل، ثم انصرف، فلما كان ليلة أربع وعشرين لم يصل شيئاً [وفي رواية: لم يقل شيئاً] ولم يقم، فلما كان ليلة خمس وعشرين قام بعد صلاة العصر يوم أربع وعشرين، فقال: "إنا قائمون الليلة إن شاء الله"، يعني: ليلة خمس وعشرين، "فمن شاء فليقم"، فصلى بالناس حتى ذهب ثلث الليل [وفي رواية: نصف الليل"، ثم انصرف، فلما كان ليلة ست وعشرين لم يقل شيئاً ولم يقم، فلما كان عند صلاة العصر من يوم ست وعشرين، قام فقال:"إنا قائمون إن شاء الله"، يعني: ليلة سبع وعشرين، "فمن شاء أن يقوم فليقم"، قال أبو ذر: فتجلدنا للقيام فصلى بنا النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى ذهب ثلثا الليل، ثم انصرف إلى قبته في المسجد، فقلت له: إن كنا لقد طمعنا يا رسول الله أن تقوم بنا حتى تصبح، فقال:"يا أبا ذر، إنك إذا صليت مع إمامك وانصرفت إذا انصرف، كتب لك قنوت ليلتك".