وكذلك وقع في رواية وهيب [عند الطيالسي، ومن طريقه: البيهقي في الشعب (٣٤١٠)]: صمنا رمضان مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يقم بنا شيئأ من الشهر، حتى إذا كانت ليلة أربع وعشرين السابعة مما يبقى، صلى بنا حتى كاد أن يذهب ثلث الليل، فلما كانت ليلة خمس وعشرين لم يصل بنا، فلما كانت ليلة ست وعشرين الخامسة مما يبقى صلى بنا حتى كاد أن يذهب شطر الليل، فقلت: يا رسول الله لو نفلتنا بقية ليلتنا، فقال:"لا، إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف كتبت له قيام ليلة"، فلما كانت ليلة سبع وعشرين لم يصل بنا، فلما كانت ليلة ثمان وعشرين رجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أهله واجتمع له الناس فصلى بنا حثى كاد أن يفوتنا الفلاح، ثم يا ابن أخي لم يصل بنا شيئاً من الشهر، قال: والفلاح السحور.
قلت: ورواية وهيب هذه معارضة لرواية ابن أبي زائدة؛ فوهيب نفى الصلاة في ليلة خمس وعشرين، بينما أثبت ابن أبي زائدة الصلاة في نفس الليلة.
قلت: وقد اختلف فيه على وهيب، فهكذا رواه عنه أبو داود الطيالسي، وهو: ثقة حافظ، غلط في أحاديث، وخالفه فيه من هو أثبت منه وأضبط، فرواه عن وهيب كالجماعة:
رواه عفان بن مسلم، قال: ثنا وهيب، قال: ثنا داود - وهو ابن أبي هند -، عن الوليد بن عبد الرحمن، عن جبير بن نفير الحضرمي، عن أبي ذر، قال: صمت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رمضان، ولم يقم بنا، حتى بقي سبعٌ من الشهر، فلما كانت الليلة السابعة خرج فصلى بنا، حتى مضى ثلث الليل، ثم لم يصل بنا السادسة، حتى خرج ليلة الخامسة، فصلى بنا حتى مضى شطر الليل، فقلنا: يا رسول الله! لو نفلتنا؟ فقال:"إن القوم إذا صلوا مع الإمام حتى ينصرف، كتب لهم قيام تلك الليلة"، ثم لم يصل بنا الرابعة، حتى إذا كانت ليلة الثالثة، خرج وخرج بأهله، فصلى بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح، قلت: وما الفلاح؟ قال: السحور.
وعفان بن مسلم: كان متيقظاً فطناً، ضابطاً للألفاظ والأخبار، لا يجاريه في ذلك أقرانه، قدَّمه أحمد وغيره على بعض المتثبتين من أقرانه، مثل: بهز بن أسد، وحَبان بن هلال، وكلاهما: ثقة ثبت، بل قال أحمد مرة:"عفان أثبت من عبد الرحمن بن مهدي"، وقدمه ابن معين على أبي الوليد الطيالسي وأبي نعيم، وكلاهما: ثقة ثبت، وقدمه مرة على ابن مهدي، وكان يحيى بن سعيد القطان يرجع إلى قوله؛ لشدة تثبته، وكان أبو داود يقدمه على حجاج وحَبان عند الاختلاف، ويكفي شهادةً له على ضبطه وتثبته في الرواية قول أبي حاتم - الإمام المتشدد -، إذ يقول فيه:"ثقة متقن متين"، فإنه يندر أن يقول هذا في أحد، وقد قدَّمه مرة في الاختلاف على همام [انظر: التهذيب (٣/ ١١٨)، السير (١٠/ ٢٤٢)، الميزان (٣/ ٨١)، العلل ومعرفة الرجال (٣/ ٤٣٤/ ٥٨٤٧)، الجرح والتعديل (٧/ ٣٠)، علل الحديث (٢٧٥٠)، سؤالات الآجري (٤/ ق ٧) و (٥/ ق ٧)، تاريخ بغداد (١٢/ ٢٧٣)، وغيرها].