وعمران بن حصين - رضي الله عنهما - بقصة واحدة، ورام الجمع بينهما على وجه من التعسف الذي يستنكر، وسببه الاعتماد على قول من قال أن ذا اليدين اسمه الخرباق، وعلى تقدير ثبوت أنه هو فلا مانع أن يقع ذلك له في واقعتين، لا سيما وفي حديث أبى هريرة - رضي الله عنه - أنه - صلى الله عليه وسلم - سلم من ركعتين، وفي حديث عمران أنه - صلى الله عليه وسلم - سلم من ثلاث، إلى غير ذلك من الاختلاف المشعر بكونهما واقعتين، وكذا حديث معاوية بن حديج ظاهر في أنه قصة ثالثة؛ لأنه ذكر أن ذلك في المغرب، وأن المنبه على السهو طلحة بن عبيد الله - رضي الله عنه -".
° قلت: قصة ذي اليدين كانت في الظهر على الراجح، حيث سلم فيها من ركعتين، ولم يخرج فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - من المسجد، وإنما قام إلى خشبةِ في مُقدَّم المسجد، فوضع يديه عليها، وفي رواية: أتى جِذعًا في قبلة المسجد، فاستند إليها مغضبًا، بينما قصة الخرباق كانت في العصر، حيث سلم فيها من ثلاث ركعات، ثم دخل منزله، فلما كلمه الخرباق خرج مُغضَبًا يجرُّ رداءه، والله أعلم.
فإن قيل: إن محمد بن سيرين كان يرى حديث أبى هريرة وحديث عمران واقعة واحدة؛ بدليل قوله في آخر حديث أبى هريرة: نُبِّئتُ أن عمران بن حصين قال: ثم سلم، فيقال: إنما استشهد من حديث عمران بذكر السلام فيه؛ لاتحاد موضوع الواقعتين، وهو السهو في الصلاة، في السلام منها قبل انتهائها، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - سجد فيهما بعد السلام، ثم سجد سجدتي السهو، فزاد السلام من حديث عمران، ولم يُذكر في حديث أبى هريرة.
وانظر: رياض الأفهام للفاكهاني (٢/ ٣٥٦)، الفتح لابن حجر (٣/ ١٠٠).
° مسألة: من تكلم في الصلاة عامدًا أو جاهلًا أو ناسيًا، هل تبطل صلاته؟
وقد أرجأت الكلام على هذه المسألة إلى هذا الموضع، وذلك عند الأحاديث السابقة برقم (٩٢٤ و ٩٣٠ و ٩٣١ و ٩٤٩).
وقبل الشروع في المقصود، وذكر كلام الأئمة في هذه المسألة، أود التنبيه على أني قد بحثت مسألة نسخ الكلام في الصلاة تحت الحديث رقم (٩٤٩).
* وخلاصة ما قلت هناك:
أنه قد دل مجموع روايات حديث ابن مسعود وحديث زيد بن أرقم وكلام جماعة من المحققين من العلماء: أن نسخ الكلام في الصلاة إنما كان بعد الهجرة إلى المدينة وقبل غزوة بدر، وهو وقت الرجوع الثاني لابن مسعود من الحبشة بعد أن كان قد هاجر إليها ثانية، والله أعلم.
وأما حديث أبى هريرة في قصة ذي اليدين؛ فإنها متأخرة عن ذلك بكثير، ودعوى أن حديث أبى هريرة منسوخ بحديث ابن مسعود وزيد بن أرقم فهي دعوى لا برهان عليها إلا بتأويل النصوص، فإن أبا هريرة متأخر الإسلام، أسلم عام خيبر، وهو القائل في الحديث: صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفي رواية لمسلم: بينا أنا أصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الظهر، وهذا اللفظ صريح في الدلالة على شهوده الصلاة يوم ذي اليدين.