قال الأثرم:"سمعت أبا عبد الله يُسأل: يُروى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سلم من ركعتين أو ثلاث من غير أبى هريرة وعمران؟ فقال: لا، فقلت: حديث معاوية بن حديج؟ فقال لى أبو عبد الله: لم يسمع هذا من النبي - صلى الله عليه وسلم -"، فلما ذكر له رواية يحيى بن أيوب، قال:"هذا كان يحدث من حفظه فيخطئ خطأ كثيرًا"، ثم استدل على عدم سماعه بأنه يروي عن معاوية بن أبى سفيان عن أم حبيبة [تاريخ دمشق (٥٩/ ١٧)].
قال ابن رجب في الفتح (٣/ ٤٦١): "وسويد هذا: وثقة النسائي وابن حبان، ومعاوية بن حديج: أثبت البخاري وغيره له صحبة، وأنكرها الإمام أحمد في رواية الأثرم، فيكون حديثه هذا مرسلًا عنده".
وقال في موضع آخر (٦/ ٤٧٢): "وقد أنكر الإمام أحمد أن يكون لمعاوية بن حديج صحبة، وأثبته البخاري والأكثرون".
قلت: هذا إسناد مصري رجاله ثقات؛ ومعاوية بن حديج: مختلف في صحبته، نفاها أحمد، فقال:"ليس لمعاوية بن حديج صحبة"، وذكره يعقوب بن سفيان في الثقات من تابعي أهل مصر، وحكى ابن عبد الحكم الخلاف في صحبته في الفتوح، وأثبتها له الجمهور، منهم: البخاري، وأبو حاتم، وابن حبان، وابن سعد، والمفضل الغلابي، وأبو القاسم البغوي، وابن البرقي، وابن يونس، وعامة المصنفين في الصحابة والمشتبه [التاريخ الكبير (٧/ ٣٢٨)، التاريخ الأوسط (١/ ١٤٠/ ٦٢٧) و (١/ ١٥١/ ٦٧٤)، الجرح والتعديل (٨/ ٣٧٧)، المراسيل (٧٣٩ و ٧٤٠)، الثقات (٣/ ٣٧٤)، مشاهير علماء الأمصار (٣٨٤)، تاريخ دمشق (٥٩/ ١٥)، الإنابة (٢/ ١٩٠)، السير (٣/ ٣٧)، تحفة التحصيل (٣٠٩)، الإصابة (٦/ ١٤٧)، التهذيب (٤/ ١٠٥). وغيرها كثير ومن كتب الصحابة والمشتبه].
ولا أعرف لسويد بن قيس سماعًا من معاوية بن حديج، إلا من طرق غير محفوظة [انظر: التاريخ الكبير (٤/ ١٤٣)، علل الدارقطني (٦/ ٢٦٦/ ١١٢٣)، مستدرك الحاكم (٢/ ٩٢)، السنن الكبرى للبيهقي (٦/ ٣٣٠)، [وتقدم معنا هذا الإسناد تحت الحديث رقم (٢٦٧)، وبرقم (٣٦٦)].
نعم؛ قد احتج به: أبو داود، والنسائي، وصححه: ابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم.
لكن عدم ثبوت سماع سويد من معاوية، ونفي أحمد الصحبة عن معاوية؛ مع عدم ثبوت سماعه من النبي - صلى الله عليه وسلم - أو الشهود والصحبة من طريق ثابت يعتمد عليه، مع إثبات واقعة جديدة غير واقعتي أبى هريرة وعمران بن حصين، وفيها أن السائل هو طلحة بن عبيد الله، وأن بلالًا قد أقام الصلاة، ثمِ كيف لا يعرف معاويةُ بن حديج أحدَ أشهرِ الصحابة، وأقدمِهم إسلامًا، وأعلاهم كعبًا ومناقبًا، لا سيما منقبته في أحد؟! ثم يغفل عموم الصحابة عن نقل هذه الواقعة المشتملة على ما تتوافر الهمم والدواعي على نقله، لا سيما وهي متعلقة بمنقبة لأحد العشرة المبشرين بالجنة، وبإقامة الصلاة لمن سلم من الصلاة ساهيًا