للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

والأصل في هذا الباب: أن القيام في الصلاة لما وجب فرضًا بقوله: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: ٢٣٨]، وقوله: " {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (٢)} [المزمل: ٢]، وقعت الرخصة في النافلة أن يصليها الإنسان جالسًا من غير عذر لكثرتها، واتصال بعضها ببعض.

وأما الفريضة فلا رخصة في ترك القيام فيها، وإنما يسقط ذلك بعدم الاستطاعة عليه، وقد أجمعوا على أن القيام في الصلاة فرض على الإيجاب لا على التخيير، وأن النافلةَ فاعلُها مخيَّرٌ في القيام فيها، فكفى بهذا بيانًا شافيًا، وبالله التوفيق، وهذا الحديث أصل في إباحة الصلاة جالسًا في النافلة".

وقال البغوي في شرح السُّنَّة (٤/ ١٠٩): "الحديث الأول في صلاة التطوع؛ لأنَّ أداء الفرائض قاعدًا مع القدرة على القيام لا يجوز، فإن صلى القادر صلاة التطوع قاعدًا، فله نصف أجر القائم، قال سفيان الثوري: أما من له عذر من مرض أو غيره فصلى جالسًا فله مثل أجر القائم، وهل يجوز أن يصلي التطوع نائمًا مع القدرة على القيام أو القعود؟ فذهب بعضهم إلى أنَّه لا يجوز، وذهب قوم إلى جوازه، وأجره نصف أجر القاعد، وهو قول الحسن، وهو الأصح والأولى لثبوت السُّنَّة فيه.

وأما الحديث الثاني في العاجز إن لم يقدر على القيام، يصلي قاعدًا، فإن عجز عن القعود صلى نائمًا، ولا نقصان لأجره إن شاء الله.

وقيل: الحديث الأول في صلاة الفرض، وأراد به المريض الَّذي لو تحامل أمكنه القيام مع شدة المشقة والزيادة في العلة، فيجوز له أن يصلي قاعدًا، وأجره نصف أجر القائم، ولو تحمل المشقة فقام تم أجره، وكذلك النائم الَّذي لو تحامل أمكنه القعود مع شدة المشقة، فله أن يصلي نائمًا، وله نصف أجر القاعد، ولو قعد تم أجره، ويشبه أن يكون هذا جوابًا لعمران، فإنه كان مبسورًا، وعلة الباسور ليست بمانعة من القيام في الصلاة، ولكنه رخص له في القعود إذا اشتدت عليه المشقة".

وقال أبو العباس الداني في أطراف الموطأ (٣/ ١٧): "وهذا الحديث إنما هو في صلاة النافلة خاصة دون الفريضة"، ثم نقل كلام الثوري.

وقال النووي في الخلاصة (١/ ٣٤٢/ ١٠٢٩): "قال العلماء: هذا في صلاة النفل مع القدرة على القيام، فأما الفرض: فلا يجوز قاعدًا مع القدرة [على القيام] بالإجماع؛ فإن عجز لم ينقص ثوابه، ولا ينقص ثواب نفل العاجز أيضًا" [نصب الراية (٢/ ١٥٠)].

وقال ابن القيم في إعلام الموقعين (٤/ ٣١٦): "وهذا له محملان: أحدهما: أن يكون في النافلة عند من يجوِّزها مضطجعًا، والثاني: على المعذور، فيكون له بالفعل النصف، والتكميل بالنِّيَّة".

قلت: وفي الثاني تكلُّف ظاهر، ومعارضة لظاهر حديث عبد الله بن عمرو، والصحيح الأول.

وانظر أيضًا: غريب الحديث لأبي عبيد (٣/ ٣٤٩)، مختصر قيام الليل (٣٣٣)،

<<  <  ج: ص:  >  >>