للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ ابْتِدَاءَ الْمُدَّةِ مِنْ حِينِ يَمْسَحُ بَعْدَ الْحَدَثِ.

وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا، الْأَوْزَاعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ، وَدَاوُدَ، وَرَجَّحَ هَذَا الْقَوْلَ النَّوَوِيُّ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَحُكِيَ نَحْوُهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

وَاحْتَجَّ أَهْلُ هَذَا الْقَوْلِ بِأَحَادِيثِ التَّوْقِيتِ فِي الْمَسْحِ، وَهِيَ أَحَادِيثٌ صِحَاحٌ.

وَوَجْهُ احْتِجَاجِهِمْ بِهَا أَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَمْسَحُ الْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ» صَرِيحٌ، فِي أَنَّ الثَّلَاثَةَ كُلَّهَا ظَرْفٌ لِلْمَسْحِ.

وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إِلَّا إِذَا كَانَ ابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنَ الْمَسْحِ، وَهَذَا هُوَ أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ دَلِيلًا فِيمَا يَظْهَرُ لِي، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ ثَالِثٌ، وَهُوَ أَنَّ ابْتِدَاءَ الْمُدَّةِ مِنْ حِينِ لُبْسِ الْخُفِّ، وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالشَّاشِيُّ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، قَالَهُ النَّوَوِيُّ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ: هَلْ يَكْفِي مَسْحُ ظَاهِرِ الْخُفِّ، أَوْ لَا بُدَّ مِنْ مَسْحِ ظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ.

فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّهُ يَكْفِي مَسْحُ ظَاهِرِهِ.

وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَحْمَدُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، عَنِ الْحَسَنِ، وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَعَطَاءٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، وَغَيْرِهِمْ.

وَأَصَحُّ الرِّوَايَاتِ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ الْوَاجِبَ مَسْحُ أَكْثَرِ أَعْلَى الْخُفِّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ يَكْفِي عِنْدَهُ مَسْحُ قَدْرِ ثَلَاثَةِ أَصَابِعَ مِنْ أَعْلَى الْخُفِّ.

وَحُجَّةُ مَنِ اقْتَصَرَ عَلَى مَسْحِ ظَاهِرِ الْخُفِّ دُونَ أَسْفَلِهِ، حَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ لَكَانَ أَسْفَلُ الْخُفِّ أَوْلَى بِالْمَسْحِ مِنْ أَعْلَاهُ، لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمْسَحُ عَلَى ظَاهِرِ خُفَّيْهِ» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ.

قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي «بُلُوغِ الْمَرَامِ» : إِسْنَادُهُ حَسَنٌ.

وَقَالَ فِي «التَّلْخِيصِ» : إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>